وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني وابن حبان، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وفيه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير)، فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر، وقد قال له في حديث آخر: (يا أبا ذر! إني أراك ضعيفاً فلا تولين مال يتيم، ولا تقضين بين اثنين)، وكونه يوصي أبا ذر فيه دليل على أنه يحبه.
وقد قال رسول الله في فضله: (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، من ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، والخضراء: السماء، وأقلت أي: حملت.
وقد كان أبو ذر يُشبَّه بين الصحابة بالمسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قال أبو ذر: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير، أوصاني: ألا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني).
فوصية النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تنظر إلى من هو أعلى منك، ولكن انظر إلى من هو دونك، فإذا كنت على درجة معينة من الغنى فلتنظر إلى من هو دونك؛ لأنك لو نظرت إلى من فوقك من أصحاب فضول الأموال وغير ذلك، فسترى ما أنت فيه قليلا، فتحتقر النعمة التي أنت فيها.
وكذلك كثير من الناس تقول له: احمد الله، فيقول لك: على ماذا؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه ينظر إلى من هو فوقه، ونسي أن الله أعطاه صحة، وأن الله سبحانه أطعمه وسقاه، وأن الله كفاه وآواه، وأن الله رزقه وكساه، ينسى هذا كله؛ لأنه ينظر إلى من هو أعلى منه، فيقول: عند الناس أكثر مما عندي، وفلان لديه مائتا ألف، فلان لديه مليون، ونحن لدينا ماذا؟ فإذا به يستقل نعمة الله سبحانه وتعالى عليه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يوصيه أن انظر إلى من هو دونك، ومن هو أقل منك، فإذا نظرت إلى الفقير يبيت ولا يجد ما يأكل، وأنا أبيت شبعاناً، فأنا أفضل منه والحمد الله، فالنظر إلى من هو دونك يجعلك تشكر الله سبحانه وتعالى.
كذلك إذا نظرت إلى الإنسان المريض وأنت في صحة وعافية، فإنك ستقول: الحمد الله الذي عافني مما ابتلاه به، وفضلني عليه وعلى كثير ممن خلق من عباده تفضيلا.
قال أبو ذر رضي الله عنه: وأوصاني بحب المساكين، والدنو منهم، أي: التقرب من المساكين.
قال: وأن أصل رحمي وإن أدبرت، أي: أوصاني أن أصل أرحامي وإن كانوا يبتعدون عني.