ما ورد من الأحاديث في إفشاء السلام

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

روى ابن حبان عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفشوا السلام تسلموا).

وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

وروى الطبراني عن أبي شريح رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام).

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).

هذه أحاديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه ذكرها الحافظ المنذري رحمه الله في باب الترغيب في إفشاء السلام، وقد ذكرنا بعض الأحاديث فيما سبق وكثرة الأحاديث التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع واحد تدل على أهمية هذا الموضوع.

فقد ورد أكثر من عشرين حديثاً في الأمر بالتسليم ورد السلام وإفشائه، وفيها أن المؤمنين إذا تحابوا دخلوا الجنة وأن السلام وسيلة للمحبة بين المسلمين، وهذه الأدلة يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ليحثنا على التسليم، فالمسلم ينبغي ألا يقصر في أمر التسليم حتى يكون من أهل الجنة وحتى تسود المحبة بين المؤمنين.

من الأحاديث حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام تسلموا)، وفي رواية أخرى: (أفشوا السلام كي تعلوا)، أي: أنه بإفشاء السلام بين المؤمنين يرفعهم الله عز وجل ويعزهم، وكذلك بإفشاء السلام تكون السلامة بين المؤمنين والمسالمة فيما بينهم، والطمأنينة في أرضهم وديارهم.

ومن الأحاديث حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

وفي هذا الحديث أسباب لدخول الجنة، وهذا لا يكون إلا إذا حققوا الأصل الأصيل من أصول دخول الجنة وهو الإيمان بالله عز وجل، وتحقيق معنى كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بالعمل الصالح، وهذه الخصال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وذكر أنها إذا كانت في المؤمنين هذه الخصال فإنهم يستحقون أن يدخلوا الجنة بسلام، فكأن معنى قوله: (تدخلوا الجنة بسلام) أي: بدون أن تنالوا أذى، وبدون أن تمسكم النار.

قال: (يا أيها الناس أفشوا السلام)، فإذا اعتاد المسلمون إفشاء السلام فيما بينهم وقعت المحبة بينهم، ففرق بين إنسان تمر عليه ولا تسلم عليه ثم تجده على منكر في يوم من الأيام، فإنك لا تجرؤ على أن تأمره بمعروف أو تنهاه عن منكر، وقد تفعل ذلك ولكنه لا يقبل منك؛ لأنك لم تجعل وسيلة بينك وبينه في الكلام والأخذ والعطاء.

فإفشاء السلام بين المسلمين يجعل للمسلم في قلب أخيه المسلم محبة ومودة واحتراماً، فإذا أحب في يوم من الأيام أن يأمره بمعروف، أو ينهاه عن منكر، أو ينصحه بنصيحة، فإنه ينتصح ويسمع له، لكن إذا كان لا يرد السلام بل يمر على الشخص ويدير له ظهره، فإنه إذا أتى في يوم من الأيام ليأمره بمعروف أو ينهاه عن منكر، فلن يقبل أحد منه؛ لأنه ليس بصاحب دعوة ولا خلق مع الناس.

وهناك الكثير من العيوب والأخطاء الموجودة في كثير منا، منها: أن البعض لا يرد السلام إلا على من يعرفهم فقط، وأنه قد يسلم ولا يردون عليه لسبب ما، كعدم السماع أو الانشغال بموضوع، فيقع في نفسه شيء عليهم، وهذا خطأ فأنت تسلم من أجل أن تأخذ الثواب من الله عز وجل سواء ردوا أم لم يردوا، فالله عز وجل يأمر ملائكة من ملائكته بأن ترد عليك السلام، فلا تتعالى وتقول: ماداموا لم يردوا علي فلن أرد عليهم، أو تقول: فلان لا يسلم علي فلن أسلم عليه، فإن هذا من التكبر والغرور؛ لأنك تريد أن كل الناس الذين تمر عليهم يردوا عليك السلام ويعطوك الاحترام، فلا تكن من هؤلاء، بل تواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله.

وابدأ أنت وتواضع للناس فستجد الناس يتواضعون لك، ابدأ بالسلام على الناس، وهم سيسلمون عليك بعد ذلك، وإن كان ذلك قد يأخذ وقتاً معيناً، فإنك قد تمر على إنسان صاحب أخلاق غير طيبة، ولكن مع كثرة التسليم عليه فإنه يبدأ يستحي وتبدأ أخلاقه بالتحسن.

وهكذا إن كان يعمل منكراً من المنكرات، فإنه يمكن أن يعمله عند مرورك عليه أول مرة، ولكنه في المرة الثانية سيستحي منك ولا يفعل هذا الشيء، وبهذا تكون قد دعوت إلى الله بأخلاقك وردك للسلام، وتكون قد ساهمت في تكثير أعداد المسلمين المصلين المتحابين في الله عز وجل، الفاعلين المعروف الآمرين به، المنتهين عن المنكر الناهين عنه.

وهذا يكون بإفشاء السلام، وانظر إلى تعبير الحديث حيث يقول عليه الصلاة والسلام: (أفشوا السلام بينكم)، أفشوا يعني: أجعلوه ذائعاً منتشراً فيما بينكم، وهذه هي التي عرفها أعداء الإسلام، أن كثرة السلام بين المسلمين تزيد من ترابطهم ومحبتهم ولذلك أتوا بالنكت والاستهزاء في هذا الموضوع، فقالوا: كثر السلام يقل المعرفة.

وبقي الحمقى والمغفلون من المسلمين يأخذون مثل هذه الكلمة ويقولونها، يسمعك تسلم عليه مرة واثنين وثلاث، فيقول لك: كثر السلام يقل المعرفة، بكل سذاجة واستهزاء وبعد عن دين ربنا سبحانه وتعالى، ولو أنهم عقلوا وفهموا أن السلام يزيد المحبة بين المؤمنين ويقوي الروابط فيما بينهم لقبلوا النصح.

وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه)، وذلك من كثرة ما يأمر بإفشاء السلام عليه الصلاة والسلام، فلو جاء إنسان وبدأ يتكلم ويقول: هات كذا، أعطني كذا، من غير أن يبدأ بالسلام، فهذا لا يستاهل أن ترد عليه؛ لأن الأصل أن يبدأ بالسلام، فإذا سلم الإنسان أصبحت بينه هو ومن يسلم عليه مسالمة وموادعة، وأصبحت هناك طمأنينة ومحبة وأمان فيما بينهم فيقبل بعضهم من بعض.

قال في الحديث: (أفشوا السلام وأطعموا الطعام)، أي: تطعم الضيوف، وتطعم الفقراء والمساكين والمحتاجين، وتطعم في رمضان وفي غير رمضان، ولم يحدد متى يكون الإطعام ولمن يكون، فلعل هذه دعوة ليكون خلق الإنسان البذل والإطعام وهو أسهل بكثير من أخراج النقود؛ لأن الطعام لابد وأن يوجد في كل بيت، فإذا أكثر الإنسان من إطعام الطعام فإنه سوف يتعود على كرم النفس وسماحة الطبع، وتبقى هذه الأمور سجية فيه.

انظروا إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أتاه ثلاثة من الضيوف وحقيقتهم أنهم ملائكة، عندما جاءوه بالبشرى بأنهم سيهلكون قوم لوط، وظنهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ضيوفاً من البشر، فقام وذبح لهم عجلاً، قال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] عجل لثلاثة ضيوف! مع أنه كان يكفيهم كيلو لحم، ولكنه ذبح لهم عجلاً كاملاً، وهذا كرماً من إبراهيم، وربنا سبحانه وتعالى سجل له كرمه ذلك في القرآن: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] عليه الصلاة والسلام.

ثم قال لهم: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الصافات:91]، وهذا بيان آخر ذكره لنا ربنا سبحانه تبارك وتعالى في القرآن الكريم وهو كيفية الأدب في إطعام الطعام، ففرق بين إنسان يضع الطعام لضيفه ويقول له: كل، وبين آخر يقول: تفضل، ألا تأكل، فهناك فرق في إلقاء الكلمة، وهناك كلمة تجعل الإنسان يأكل وهو منشرح الصدر، وهناك كلمة تجعل الإنسان قد يمتنع عن الأكل، ويقول: لست جائعاً، أو قد أكلت، أو نحو ذلك.

فهذا الأدب ذكره لنا ربنا سبحانه تبارك وتعالى في القرآن الكريم عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كيف أنه دعا ضيوفه، وما نوع الطعام الذي دعاهم إليه، وكيف قدم لهم هذا الطعام ليأكلوا معه عليه الصلاة والسلام.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (وصلوا بالليل والناس نيام)، أي: صلاة التطوع، بعد أداء الصلوات المفروضة، لأن الأصل هو أداء الفرائض ثم يعمل الإنسان النوافل، (وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

ومن الأحاديث التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).

فرد السلام فرض وإلقاء السلام سنة، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، فإذا حياك إنسان فقال: السلام عليك، فرد عليه بقولك: وعليك السلام ورحمة الله، وإن زدت: وبركاته كان خيراً، وإذا قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فرد عليه بمثلها.

من حق المسلم على أخيه المسلم هؤلاء الخمس، بل قد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى ستة حقوق، وقد قال صلى الله عليه وسلم ذاكراً هذه الحقوق الستة: (إذا لقيته فسلم عليه)، من حقوق المسلم عليك أن تسلم عليه عندما تلقاه.

(وإذا دعاك فأجبه) أي: إذا دعاك لطعام وكانت ظروفك تسمح لك بالذهاب فأجبه فإن له حقاً عليك، (وإذا استنصحك فانصح له) أي: طلب منك النصيحة في شيء ما، فكما تنصح لنفسك ولأهلك انصح لأخيك المسلم، (وإذا عطس فحم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015