الترغيب في الرفق والأناة والحلم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الإمام المنذري رحمه الله: [الترغيب في الرفق والأناة والحلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه).

وعنها أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)، رواه مسلم.

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرَق، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق، وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير)، رواه الطبراني، ورواته ثقات.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء قط إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق)، رواه البزار.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، رواه البخاري].

هذا باب آخر من كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري ويذكر فيه: الترغيب في الرفق والأناة والحلم.

فالرفق بأن الإنسان يكون رفيقاً بغيره، والرفق عكسه العنف، والعنف: الشدة، فالعنيف يشدد على الغير ويصل إلى أمره بشدة، وإن كان هذا الأمر أمراً فيه خير لكن يصل إليه بصعوبة، ويصل إليه بالطريقة العسرة بالشدة، فيرفع السوط، ويتعامل بالمعاملة العنيفة الغليظة القاسية.

فإذا كان الأمر ممكن نصل إليه بطريقين: طريق فيه الرفق، وطريق فيه العنف، والنتيجة واحدة، فطريق الرفق هو الذي فيه الثواب العظيم، والذي يدل على خيرية صاحبه.

وطريق العنف وإن كان في النهاية سيصل إلى النتيجة نفسها لكن صاحبه أقل ثواباً، ولا يبعد أن يحرم من الثواب؛ لأن الإنسان الذي فيه العنف قد يأتي ليأمر بالمعروف وإذا به يأمر بطريقة منكرة، فأمره يكون معروفاً ولكن فعله يكون منكراً، فيكون أمر بالمعروف بطريقة منفرة، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التنفير.

وهنا في حديث السيدة عائشة في الصحيحين: (إن الله رفيق يحب الرفق) فالله الخالق العظيم بجلاله سبحانه يرفق بعباده، فمن صفات الله سبحانه وتعالى: صفة الرفق، وصفة الحلم، فإنه حليم ورفيق وصبور سبحانه، وأمر العباد أن تكون هذه من أخلاقهم: خلق الرفق، وخلق الحلم، وخلق الصبر.

فالإنسان يكون رفيقاً في كل أموره، ويصل بهذه الطريقة إلى دعوة الخلق إلى دين الله سبحانه وتعالى من غير تنفير لهم ولا تعسير عليهم.

في رواية مسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، يعني: أن الإنسان الذي يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر بطريقة رفيقة يأخذ أجراً مضاعفاً، والذي يأمر وينهى بطريقة عنيفة يأخذ أجراً دون الأول.

وفي رواية: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء شانه)، والرفق أمام الناس هذا شيء يحلي صاحبه، والعنف والشدة أمام الناس شيء يشين صاحبه، وكذلك الأمر عند الله سبحانه تبارك وتعالى، فالرفق زين لصاحبه، والعنف والشدة والخرق شين لصاحبه.

ولذلك الإنسان الذي في جاهليته كان حليماً رقيقاً طيباً كذلك في إسلامه يكون على ذلك، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)، فالرفق خلق وسجية في الإنسان، فإذا كان أصله طيباً وأصله رفيقاً فكذلك بعد دخوله في دين الله عز وجل يكون على هذه الصورة، فيزداد خيراً على ما كان في نفسه من الخير.

فإذا كان يوم القيامة كان هذا الإنسان الرفيق الحسن الخلق بجوار النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمنا من قبل.

والإنسان الذي فيه كبر، والذي فيه عنف، والذي فيه شدة، والذي فيه حماقة وخرق ودائماً هو مندفع ومتهور إذا كان قبل الإسلام على ذلك، فإنه إذا أسلم يكون كذلك أيضاً فيه صفة الاندفاع، فيحتاج إلى تغيير هذه الصفة التي في نفسه من الاندفاع والتهور والخرق والاستكبار على الخلق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015