شرح حديث: (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً)

ومن الأحاديث التي جاءت تسلي الإنسان وتجعله يحاول أن يكون حسن الخلق، ويتكلف حتى يصير حسن الخلق له سجية وطبيعة، حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً)، فأقرب واحد من النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً يوم القيامة وليس قريباً فقط، فقد يكون إنسان قريباً منك وأنت لا تحبه، وهذا يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وقريب منه صلى الله عليه وسلم، فما أسعد حظ هذا الإنسان! وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحسنكم خلقاً).

وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً)، وهذا حديث عظيم ومهم جداً، فإنه كلما طال عمر الإنسان أصيب بالضيق، فتضيق أخلاقه، وتسوء تصرفاته، وتجد أصدقاءه كانوا كثيرين فقلوا؛ لأنه كل ما زاد في العمر كان أكثر غضباً، فيقول لنا: إن أفضلكم وخياركم الذي كلما طال عمره ازداد حلمه، وازداد علمه، وازداد حسن خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً).

وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إليّ المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العيب)، فهنا ذكر الأحب إليه صلى الله عليه وسلم، والأبغض إليه عليه الصلاة والسلام، فأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (أحاسنكم أخلاقاً) أي: المؤمنون ذوو الأخلاق الحسنة.

وقوله: (الموطئون أكنافاً) الكنف: هو جانب البهيمة، ودابة موطأة الكنف: أي يركبها صاحبها بسهولة، وهذا مثل يضرب للمؤمن وكأنه يذلل ويمهد نفسه، ويجعل نفسه سهلة مع الناس، فهو موطأ الكنف، أي: سهل كالدابة التي يركبها صاحبها بسهولة، فالإنسان المؤمن يجعل نفسه مع المؤمنين سهلاً سمحاً يجيبهم ويتعامل معهم بحسن الخلق.

ويقال للفراش: هذا فراش وطئ، أي عندما تنام عليه لا يؤذي جنبك، فكذلك الإنسان المؤمن عندما تميل عليه لا يؤذيك أبداً، ويكون حسن الخلق.

وقال صلى الله عليه وسلم: (الذين يألفون ويؤلفون) أي: ليس عندهم نفرة من الناس، فقد تجد الإنسان يقعد مع الناس ولا يندمج معهم بسهولة ويقول: طبعي هكذا! لكن الإنسان الحسن أخلاقه حسنة، فإذا جاء واحد إليك مغضباً فلا تعامله كما يتعامل معك؛ لأن المؤمن حسن الخلق، رفيق مهذب، يعتذر للناس، ويقول: كان يضحك قبل وجاء مغضباً فلعل عنده ظروفاً، فيعذر الناس ويحب الناس، والذي يحب الناس يحبونه، والذي يبغضهم يبغضونه، والمعاملة بالمثل.

ولذلك: أحب الناس إلى الله عز وجل الذي يحبه الناس، والذي يحب الناس أكثر من حبهم له، فلذلك في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (الذين يألفون -يألف الناس- ويؤلفون)، فيرضى عن الناس، والناس يرضون عنه بسهولة، وليس معنى هذا أن يكون مسخرة يسخر منه الناس، فهذا يلطشه وهذا يضحك عليه، وهذا يسخر به، ولكنه الذي يألف بسهولة، فعندما يتكلم لا يحس أحد معه بفجوة، فكأن بينه وبينه عِشْرة منذ زمن، وهو لعله أول مرة يكلمه، فهذا الذي يألف ويؤلف.

وأما الإنسان الذي يريد أن يألف أو يؤلف بالمزاح وبالضحك فقد سمعنا الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترك ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن من أبغضكم إلي: المشاءون بالنميمة)، فقد تجد إنساناً يحضر عند فلان ويسمع منه كلمة فيحملها إلى فلان الثاني، فهو نمام، وأصل الكلمة من التنمية، والتنمية: الزيادة؛ لأنه سمع الخبر وزين له الشيطان أن يسمع ويزيد في الخبر أشياءً، فسمع فلاناً يقول عن آخر: أنه متجهم، فينقل الخبر ويقول: قال عنك كذا وكذا، ويزيد على الكلام أكثر مما قال، وهذا هو المشاء بالنميمة، أي: الذي يمشي كثيراً بالنميمة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (المفرقون بين الأحبة) فلا يحب أن يجد اثنين يحب أحدهما الآخر إلا ويفرق بينهما، فهذا من أبغض الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: (الملتمسون للبرآء العيب) أي: المتتبعون لعيوب الناس، فإذا اطلع على عيب لأحدهم فضحه بين الناس، فهذا من أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بحاله مع رب العزة! نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن الخلق، وأن يجعلنا ممن يجاور النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015