قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)، وقال: (وإن الله يبغض الفاحش البذيء)، وفي الحديث الآخر، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً).
والفاحش: هو الإنسان الذي ينطق بالبذيء من القول.
والمتفحش: هو الذي يبالغ في ذلك، أو الذي يتكلف ذلك، مثل: أن تجد شاباً منحرف السلوك في الشارع فيأتي آخر ويجعل نفسه مثله، فهنا الأمر: الفاحش والمتفحش، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس في لسانه الفحش، ولا يتكلف ذلك، فلم يكن هذا من شأنه ولا من طبعه، صلوات الله وسلامه عليه.
ونحن نقول: الفحش: هو الكلام الخطأ، ولكن كان عند النبي صلى الله عليه وسلم الفحش من القول ما هو دون ذلك بكثير، لذلك كان الصحابة يقولون لمن بعدهم: إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، وكنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.
وقد دخل يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم وسلّم فقال: السام عليكم، والسام: الهلاك، فهو يلوي لسانه بالكلمة حتى يفهمها النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وعليك)، وفهم الذي يقوله الرجل.
والسيدة عائشة سمعت وظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفطن إلى ذلك، فقالت: وعليك السام واللعنة، وردت عليه كما قال، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مه يا عائشة -أي: اسكتي واصمتي- فقالت: أوما سمعت ما يقول؟ فقال: قد سمعت وأجبت، يستجاب لي فيه، ولا يستجاب له في).
وفي رواية أنه قال لها: (متى عهدتني فحاشاً، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش)، وكأنه اعتبر أنها بهذه المقالة ردت عليه أكثر مما قال، فهو قال: السام عليك، وهي قالت: وعليك السام واللعنة، فاعتبر هذا من الفحش.
وأما ما نراه اليوم عندما يخرج الواحد منا من لسانه الكلمات الكثيرة، ويقول: إني سريع الغضب ولا أملك نفسي، فهذا هو الفحش من القول، وقد تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعتبره في أعيننا أدق من الشعرة وشيئاً بسيطاً جداً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتبره شيئاً كبيراً.