ومن الأحاديث التي جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه في هذا حديث ابن عمر قال: (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع -يعني: بصوت مرتفع- فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله).
ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، فهنا: النبي صلى الله عليه وسلم قام وخطب في الناس، وقال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه)، والإيمان: تصديق وقول وعمل، فإذا كان الإنسان يقول: أنا مسلم، ويقول: لا إله إلا الله، وعمله لا يوافق ذلك، فكأن إسلامه إسلام باللسان فقط، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمنافقين الذين كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه) يعني: إسلامه مجرد كلام باللسان، وأما قلبه فلا، ولو كان قلبه فيه إيمان ما كان يتتبع عورات المسلمين.
قال: (لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم) أي: لا تؤذوا المسلمين بألسنتكم، ولا تتبعوا عوراتهم، ولا يفضح بعضكم بعضاً، (فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم) أي: الذي يظل يراقب إنساناً من أجل أن يفضحه، ومن أجل أن ينظر ماذا يعمل حتى يتكلم عن سيرته أمام الناس بالفضيحة، قال: (تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله) فاحذر فالجزاء من جنس العمل، ولا تفكر أنك تفضح إنساناً، وهكذا النساء أيضاً، فالنساء يحببن أن يتكلمن كثيراً، فلانة عملت كذا، وفلانة تعمل كذا.
فهناك من يتتبع عورات الناس ويتجسس عليهم من أجل أن يفضحهم، فالذي يفعل هذا الشيء ربنا يسلط عليه من يصنع معه مثل هذا الشيء.
قال: (يفضحه الله عز وجل ولو في جوف رحله)، وفي الرواية الأخرى: (ولو في جوف بيته).