جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وهذا جاء في البخاري فقط دون مسلم.
وفيه أفضلية أن تتعلم القرآن؛ فإذا تعلمته علمته بعد ذلك، والإنسان الذي يتعلم دون أن يعمل لا يجوز له ذلك، ولكن يتعلم ويعمل بما تعلمه من القرآن، فالقرآن فيه أحكام الحلال والحرام بشرع الله عز وجل الذي جعله لنا منهاجاً وشريعة وحكماً يفصل بيننا، فالإنسان المسلم يتعلم القرآن ويعمل به ويعلمه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) أي: بلغوا عني ولو حكماً شرعياً من الأحكام.
إذاً: ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم) فيه أن الصحابة خير الناس؛ لأنهم تعلموا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل لسان عربي فصيح، ففهموا القرآن الذي أنزله الله على المعنى الذي يريده سبحانه وتعالى.
وأما أمثالنا فنحتاج أن نتعلم من اللغة العربية ما نستطيع أن نفهم من القرآن وعلينا أن نتعلم من كلام المفسرين الذين فهموا ما لم نفهم، وتعلموا ما لم نتعلم فنقرأ القرآن وتفسيره الذي ذكره علماء السنة من المفسرين.
وذكر البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أحد القراء، وهو يروي هذا الحديث عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمقرئ هو: الذي يعلم الناس ويحفظهم كتاب الله سبحانه وتعالى، وهو غير القارئ؛ لأن القارئ له حافظ للقرآن، لكن المقرئ حافظ ومحفظ للقرآن.
فـ أبو عبد الرحمن السلمي أقرأ في إمرة عثمان حتى زمن الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا يعني: كان أبو عبد الرحمن يحفظ الناس القرآن، وكان له مجلس في المسجد يجلس فيه يحفظ الناس كتاب الله عز وجل، والفترة التي كانت منذ زمن سيدنا عثمان إلى نهاية زمن الحجاج حوالي ثمانٍ وسبعين سنة، وأقل ما قيل فيها: حوالي ثمانٍ وثلاثين سنة تقريباً.
فهنا كأنه مكث هذه المدة الطويلة -سواء كانت سبعين سنة، أو ثمانٍ وثلاثين سنة- والعمر الطويل يحفظ القرآن ويعلم القرآن.
ويخبر أبو عبد الرحمن السلمي فيقول: إن هذا هو الذي أقعدني مقعدي هذا.
فجلس عمراً طويلاً جداً يحفظ القرآن ويعلمه، وسبب تحفيظه وتعليمه القرآن هو هذا الحديث العظيم الذي سمعه من عثمان وسمعه عثمان من النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
فإن قيل: أليس المجاهد خير الناس؟ ف
صلى الله عليه وسلم أن هنا في هذا الحديث ذكر الذي يعلم القرآن ويعلمه، وهذا من الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى في الدعوة إلى الله سبحانه، وفي حفظ دين الله سبحانه، والإنسان الذي يتعلم ويعلم أحكام كتاب الله عز وجل، ويعمل بها سيجد فيها الجهاد في سبيل الله، وكان الصحابة هم حفاظ القرآن وهم المجاهدون في سبيل الله سبحانه وتعالى، فكأنهم تعلموا القرآن وعرفوا أحكامه وعملوا بهذه الأحكام فعلموها للناس وجاهدوا في سبيل الله سبحانه وتعالى.
فالذي يجمع ذلك كله هو الذي يعلم ويحفظ كتاب الله عز وجل ويعمل بما فيه، ويعلم ويجاهد في سبيل الله عز وجل وهذا من خير الناس، أو هو خير الناس كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه.