إن الفرق بين زكاة عروض التجارة وزكاة بهيمة الأنعام: أن زكاة بهيمة الأنعام تخرج من جنسها، فلو أن إنساناً عنده أبقار أخذها من أجل الدر والنسل وهي سائمة العام كله، فهذا إذا كان عنده ثلاثون بقرة فإن فيهن تبيع عمره سنة.
وإذا كان عنده أربعون بقرة فإنه يخرج مسنة -يعني: بقرة لها سنتان- فيخرج الزكاة من جنسها، والإبل أيضاً نخرج زكاتها من جنسها إلا إذا كانت قليلة فيخرج من غير جنسها، يخرج من الغنم.
إذاً: فالإبل والبقر والغنم تخرج الزكاة منها من جنسها.
وأما إذا لم يأخذ هذه الأشياء لأجل النسل والدر ولا هي سائمة كأن يكون رجل عنده مائة خروف يعلفها هو فهذا النوع ليس عليه زكاة بهيمة الأنعام، فلا نقول له: لديك مائة خروف فأخرج عليهن خروفاً أو أكثر، ولكن سنقول له: قوم هذه بالمال لأنه مال أصلاً فهو عبارة عن فلوس سيشتري بها خرفان ثم يبيع الخرفان، فيكون له فلوس مرة أخرى وهكذا، فتكون بهيمة الأنعام هنا عليها زكاة عروض التجارة، والمال الذي يبيع به يحسبه، فإذا كانت الخرفان والمال الذي جمعه يبلغ النصاب فيلزمه إخراج زكاة، والنصاب هو مائتان درهم من الفضة، أي: حوالي خمسمائة وستة وتسعين جراماً من الفضة، فيقدر النصاب على جرامات الفضة.
فإذا وجد معه من عروض التجارة ما جاوز هذا المقدار أو وصل إليه لزمه إخراج زكاة عروض التجارة.
فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر قال: (ما أنزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]) والفاذة معناها: الآية العظيمة الوحيدة المتفردة بهذا المعنى الجامع العظيم، فقد جمع فيها كل شيء من الحسنات والسيئات، فإذا عملت خيراً ولو مثقال ذرة يسيرة فإن الله عز وجل يريك إياه يوم القيامة حسنات، وإن عملت مثقال ذرة من شر فإن الله سبحانه وتعالى يجازيك، أو يعفو عنها سبحانه وتعالى.
فالمعنى: بيان أنه إن لم تجب عليك الزكاة في شيء، فعلى الأقل اعمل الخير واحذر من الشر،: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8].
ولهذا الحديث رواية رواها النسائي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جاء يوم القيامة شجاعاً من نار، فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره).
وفي حديث ابن مسعود: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع) فهذه صورة ثانية من الصور.
والشجاع الأقرع: هو الثعبان الضخم الكبير، والسبب في وصفه بهذا الوصف زيادة السمية التي فيه، فهو سام جداً، فهذه النار يحولها الله عز وجل إلى هذا الثعبان حتى يطوق به عنقه، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180].
وفي رواية للحديث في صحيح مسلم وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه؛ فإذا أتاه فر منه) يفر من هذا الثعبان يوم القيامة فيناديه خذ كنزك الذي خبأته الآن فأنا عنه غني، (فإذا رأى أن لابد له منه سلك يده في فيه فيقضمها) يعني: يأكل يده وهل يأكل يده فقط لا، ففي حديث ثوبان عند البزار قال: (ثم يتبعه سائر جسده) يعني: الثعبان لن يكتفي بيده بل سيأكله كله وبعد أن يأكله لن يموت، بل يظل على هذا الشيء والعياذ بالله، وهذا أمر رهيب جداً، ولو أن الإنسان تذكر هذا الأمر الرهيب فلن يمنع حق الله سبحانه وتعالى ولن يبخل به؛ فإذا علم ما في هذه الأحاديث من تخويف، وعرف ما في الإعطاء وأنه ما نقص مال من صدقة، وأنه يبارك له ربه سبحانه وتعالى في هذا المال، وأن زكاة المال تحمي العبد يوم القيامة ويأتي من أبواب الجنة: هذا باب للزكاة، وهذا باب للصيام، وهذا باب للصلاة، وينادى العبد من هذه الأبواب فيدخل منها، فالإنسان المؤمن يحرص على أداء زكاة ماله، ويعطي لله حقه، وغير ممكن أن تعط الله حقه ويبخسك فهو الكريم سبحانه, نسأل الله العفو والعافية في الدين الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.