من خلال هذين المثالين: نخلص إلى نتيجة واضحة بيّنة يرد بها الشيخ على جميع الطوائف التي عطّلت، فأنكرت أسماء الله عز وجل وصفاته أو بعضها، أو تأولوا ولو لم يُنكروا الأسماء والصفات أو بعضها، فهؤلاء كلهم يرد عليهم بهذين المثالين: الأول: يقال لهم: أنتم الآن تؤمنون بأن الله عز وجل قد وصف الجنة بأوصاف، وألفاظ ومعان، وحقائق هذه الأوصاف تشبه ظاهر ما في الدنيا، سيقولون: نعم، فنحن نوافقكم على ذلك.
فنقول لهم: ومع ذلك نحن نؤمن قطعاً بأن هذه الحقائق التي جاءت ألفاظها مطابقة لما في الدنيا، ولها حقائق أيضاً، كما نعلم قطعاً أنها ليست كحقيقة ما في الدنيا، وهذا أمر يتفقون عليه أو يؤمنون به، وعليه فلله المثل الأعلى، فنحن عندما نُثبت أسماء الله عز وجل وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة، فإنا نثبتها على ما يليق بجلاله، والتشابه اللفظي لا يعني التشابه في الكيفيات، كما أن التشابه اللفظي بين نعيم الجنة ونعيم الدنيا إنما هو تشابه في المعاني العامة وليس في الكيفيات.
الثاني: الروح، فهم يؤمنون بالروح، بل كل عاقل يؤمن بها ويدرك وجودها في أي حيوان، وأن هذه الروح أيضاً قد ورد لها أوصاف في الكتاب والسنة، والناس يدركون لها ذلك، من الحركة، والصعود، والنزول وغير ذلك، ومع ذلك لا يمكن لأحد أن يُدرك كيفيات صفات هذه الروح، مع أنها توصف بصفات ألفاظها تشبه صفات المشاهدات، أي: الأمور الحسية، لكن لا يمكن أن نحكم فيها بأن لها كيفية ككيفيات الأمور الحسية، رغم أنها توصف ويُعلم عنها ظواهر، وهذه الظواهر موجودة في الحسيات التي نعلمها، ومع ذلك لا نُدرك كيفية الروح.
فكذلك من باب أولى -ولله المثل الأعلى- أسماء الله وصفاته نحن نؤمن بأنها حق، وأن لها معاني حقيقية تليق بالله عز وجل، لكن لا نعلم كيفيتها، فإذا كان هناك من المخلوقات ما هو موصوف بما يشبه صفات المحسوسات، بل بما يشبه صفات الخالق، فإننا نجزم أن هذا ليس كذلك في الكيفية؛ لأنه لابد لمن استعمل عقله على وجه صحيح أن يصل إلى نتيجة سليمة، وهي أن ما ورد في الكتاب والسنة من أسماء الله عز وجل وصفاته لابد أن تثبت لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وأن إثباتها له ليس تشبيهاً ولا تمثيلاً، وأنه لا يؤدي إلى الحرج كما يزعمون، وأن من أثبت ما أثبته الله ورسوله لله عز وجل من الأسماء والصفات فلا بد أن يكون محقاً، بدليل أننا نجد الفارق في الكيفيات حتى في المخلوقات، والله عز وجل أعظم وأجل.