قال المصنف رحمه الله تعالى: [فمن راع الأمر والقدر -كما ذكر- كان عابدًا لله، مطيعًا له، مستعينًا به، متوكلاً عليه، من الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع، كقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود:123]، وقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10]، وقوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:2 - 3]].
نجد أن الفرق بين الأصلين في هذه النصوص واضح جداً.
فقوله: (إياك نعبد) تعني: الأصل الأول، وهو تحقيق الأمر، فنعبدك استجابة لأمرك.
وقوله تعالى: (وإياك نستعين) تحقيق للمقدور، بأن الاستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل، وهي عبادة، إذ إنها نوع من التوكل على مقدور الله سبحانه.
كما في الآيتين تضمن واستلزام، فـ (إياك نعبد) كما أنها عبادة واستجابة للأمر، فهي كذلك نوع من الخضوع للقدر، لكنها إلى الأمر أقرب؛ و (وإياك نستعين) كما أن فيها استعانة بقدرته، إلا أنها تتضمن العبادة؛ لأن الاستعانة عبادة، ولذا فكل عبارة في أحد الأصلين تستلزم الأصل الآخر.
وكذلك الآية التي بعدها: (فاعبده) إذ هي في أصل الأمر، و (توكل عليه) في أصل القدر، وبينهما كذلك تضمن وتلازم كما بين العبارتين السابقتين.
وقوله: (عليه توكلت) بدأ في مسألة الاعتماد، وهي نوع من الربوبية والقدر، ثم قال: (وإليه أنيب) كذلك فيها جانب قدر، وجانب أمر، كما في العبارتين هنا التأكيد على الأمرين أكثر، بمعنى: أن وضوح القدر والشرع في العبارتين أكثر من العبارات التي سبقت، فالتوكل كما أنه نوع عبادة، فهو كذلك أخذ بالأسباب وتسليم لقدر الله، والإنابة بالعبادة فهي أقرب إلى الأمر، وكذلك بقية النصوص على هذا النهج.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فالعبادة لله والاستعانة به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الأضحية: (اللهم! منك ولك)، فما لم يكن بالله لا يكون، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وما لم يكن لله فلا ينفع ولا يدوم].