قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن هذا الباب احتجاج آدم وموسى لما قال: (يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، فبكم وجدت مكتوبًا علي من قبل أن أخلق: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121]؟ قال: بكذا وكذا سنة، قال: فحج آدم موسى) وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لأجل الذنب، فإن آدم قد كان تاب منه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولكن لأجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك، وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب، وأن يستغفروا من المعائب، كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [غافر:55]].
رغم أن السياق واضح في قصة آدم وموسى عليهما السلام، إلا أنه مع ذلك قد يكون فيه نوع من اللبس أحياناً؛ لأن القصة جاءت على سياق أن آدم سأل موسى، فقال: فبكم؟ وهذا تقرير أصل، وكأنه قال: يا موسى! ألست تعلم أن ذلك مكتوباً ومقدراً علي؟ قال: بلى أعلم.
قال: إذاً انتهى الأمر.
فالمصيبة التي حدثت قدر، أما الذنب فإن موسى لم يعتب عليه؛ لأنه يعرف أنه استغفر ربه فغفر له، لكنه عاتبه على المقدور الذي هو عقوبة الذنب، لأن هناك ذنباً وهناك عقوبة الذنب، فالذنب انتهى أمره، وموسى عليه السلام أفقه من أنه يعاتب آدم على ذنب حدث، ثم استغفر منه وغفر الله له، لكن المصيبة التي عمت البشرية جمعاء هي كون آدم نزل من الجنة إلى الأرض، إلى الكدح والنكد، فهذا هو مجال العتاب، لذلك قال له: أنت تسببت في هذا القدر، وآدم عليه السلام يعلم أن موسى مؤمن بالقدر، وأنه يعرف أن هذه مقادير، لكن أراد أن ينبهه لأمر قد يكون غفل عنه، وهو قوله: ألم تعلم أن ذلك مقدور علي، أي: أن الله قد كتبه علي، بصرف النظر عن كونه كتبه قبل كذا أو كذا سنة، فهذا مجرد تقرير خبر جديد فيه فائدة أخرى، ككتابة المقادير، لكن القصد من كلام آدم لموسى أن يقول له: أنت تعلم أن هذا مقدر علي، قال: نعم أعلم.
قال: إذاً القدر لا يد لي فيه، وهي المصيبة التي قد حصلت، والذنب قد استغفرت منه.