قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما الثالث: فهو الفناء عن وجود السوى، بحيث يرى أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، وأن الوجود واحد بالعين، فهو قول أهل الإلحاد والاتحاد، الذين هم من أضل العباد.
وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس، فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله، فإنه إذا كان مشاهدًا للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور، فعومل بموجب ذلك، مثل أن يضرب ويجاع، حتى يبتلى بعظيم الأوصاب والأوجاع].
هناك قصة طريفة تبين أثر هذه المذاهب والفلسفات على بعض العباد الأوائل، وهي ناتجة عن جهل، والقصة مشهورة ذكرها حتى بعض السلف الذين ذكروا قصص العباد، وهي: أن رجلاً تمنى أن الله عز وجل يبتليه ليحصل على أجر الصبر من الله عز وجل، فابتلاه الله بحبس البول، فضاقت به الأرض بما رحبت، وأصبح يركض من غير شعور، فاشترى لوزاً للأطفال ووزعها عليهم، وقال: ادعوا لأخيكم الكذاب.
يعني: أنه ظن لو امتحن سيصل إلى درجة الفناء، بحيث لا يشعر بالألم، وأنه سيصبر ليعظم أجره، فلما ابتلي بمثل هذه المصيبة عرف أنه لا يطيق، وكذلك كلام الشيخ هنا، فلو أن أحدهم ابتلي بعظيم الأوصاب والأوجاع ما ادعى أنه فني، ثم كيف يفنى والله عز وجل لا يضره شيء، وكيف يدعي أنه متحد وإذا أصابه شيء تألم! وإذا شعر بالجوع احتاج للأكل، وإذا شعر بالعطش احتاج للماء أو يموت! قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن لام من فعل ذلك به وعابه فقد نقض قوله، وخرج عن أصل مذهبه، وقيل له: هذا الذي فعله مقضي مقدور، فخلق الله وقدره ومشيئته متناول لك وله، وهو يعمكما، فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا، وإلا فليس بحجة لا لك ولا له.
فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر، ويعرض عن الأمر والنهي].