قال رحمه الله تعالى: [ومن قال: إنه يفعل عندها لا بها، فقد خالف ما جاء به القرآن، وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع، وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التي في الحيوان، التي يفعل الحيوان بها، مثل قدرة العبد].
هؤلاء يقولون: إن الإنسان والحيوان لا يفعل بالأسباب، وإنما يفعل عندها، يعني: أن هناك قدرة موازية للعزم على الفعل، وهذه القدرة ليست موجودة عند الفعل، لا عند الإنسان ولا عند الحيوان، فمثلاً: القدرة على المشي لمن أعطاه الله عز وجل قدرة على المشي، أو أعطاه الوسيلة لذلك، لذا يقولون: كونه عنده قدمان سليمتان لا يعني أنه قادر على المشي، لكن إذا عزم على المشي وجدت القدرة، وهذه فلسفة لا تغني شيئاً، وإنما هي تحصيل حاصل، مع أن الله عز وجل قد أوجد عنده القدرة قبل أن يفعل وعندما يفعل وبعدما يفعل، وهذه راجعة إلى مسائل أخرى سيأتي الكلام عنها فيما بعد.
قال رحمه الله تعالى: [كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله، وأضاف فعله إلى غيره، وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه].
وهذا ليس إلى ما لا نهاية، بل تنتهي الأسباب إلى قدرة الله عز وجل وإرادته، يعني: أن الأسباب ليست متسلسلة إلى ما لا نهاية، لكن القصد أن الأسباب تتسلسل إلى القدرة لله عز وجل حينما خلق بـ (كن) أو خلق بأسباب أخرى سبحانه.
قال رحمه الله تعالى: [ولابد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه، فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إلا الله وحده، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49] أي: فتعلمون أن خالق الأزواج واحد].
قبل أن نتجاوز هذا، هناك مسألة مهمة في هذا الباب، إذا تصورها الإنسان سلم اعتقاده في هذا الجانب: وهي أن الله عز وجل جعل الأسباب متسلسلة إلى منشأ السبب الأول، وهو قدرة الله سبحانه، والتي أيضاً تكون لله عز وجل على ما يليق بجلاله، هذه الأسباب أحياناً قد تصل إلى مئات الأسباب، سبب وراء سبب وهكذا، حتى يرجع الأمر إلى القدرة الأولى والأخيرة، وهي قدرة الله سبحانه، فالله خالق كل شيء ومقدّر لكل شيء، فإذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون، لكن إذا كانت مسألة الأسباب ستأتي فعلى سبيل المثال: حياة الإنسان والحيوان من حيث حياة الرطوبة وغيرها راجعة إلى الماء، فالله عز وجل جعل من الماء كل شيء حي، الماء ما سببه؟ المطر، والمطر ما سببه؟ البخار، والبخار ما سببه؟ إذاً: حسب ما يطلع الله عباده من الأسباب، وأحياناً يصلون إلى نهاية، قد تكون هناك أسباب غيبية أيضاً لا نعلمها، لكن ومع ذلك مرد الأمر في النهاية إلى المسبب الأول وهو الله عز وجل؛ لئلا نقول: إن الأسباب متسلسلة إلى ما لا نهاية فهذا لا يُعقل ويستحيل، لا بد أن تنتهي إلى نهاية وهي قدرة الله عز وجل ومشيئته.