قال رحمه الله تعالى: [بل لابد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله.
وليس المراد بـ (الإله): هو القادر على الاختراع، كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين، حيث ظنوا أن الإلهية هي القدرة على الاختراع دون غيره، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو].
سيذكر الشيخ قضية المشركين، وهي فعلاً دلالة على أن المشركين ما امتنعوا من لا إله إلا الله إلا لأنها تعني معنى آخر غير الإقرار بالربوبية، وحتى من الناحية اللغوية فالعرب تفقه معنى (الإله) فقهاً عاماً وفقهاً خاصاً، بمعنى: أن بعضهم يفهمها بالإجمال وهم عامة العرب، وكل من يفقه العربية إلى اليوم، أو كل إنسان عنده فقه بالعربية يعرف أن معنى (لا إله إلا الله): التأله والتعبد لله عز وجل، والانجذاب إليه سبحانه، والمحبة والرجاء والخوف والانطراح بين يديه عز وجل، وكل العرب يفهمون هذا قديماً وحديثاً، ولذلك المشركون الأوائل لم يكن عندهم في ذلك لبس؛ لأنهم يفقهونها، فمعناها اللغوي هو دلالاتها من جميع الوجوه، حتى على تعدد معانيها عند من شرحها من العرب، فتجد الذين شرحوا (الألوهية) و (الإله) عند العرب تدور معاني الشرح إلى هذا المعنى، أي: إلى التأله، والانجذاب والعبادة والتعظيم، والتوجه، والمحبة لله عز وجل، وهي غاية معنى الألوهية؛ لأن الإلهية أو الإله مأخوذ من التوله، والتوله هو الوله، والوله هو كمال المحبة، ولذلك تجد حتى عند عوام الناس يقول لك: فلان ولهان، أي: مشتاق ومنجذب إلى المحبوب.
إذاً: فأين هم عن معاني العربية؟! إن الإنسان إذا اعتقد شيئاً فإن ذلك يذهله عن البدهيات، لاسيما إذا كانت عقيدته باطلة، فإنه يعمى عن إدراك الحق خاصة الذي عليه منهج المتكلمين ومنهج أهل الأهواء والبدع، وهو أنهم يقررون شيئاً في عقولهم أو في أذهانهم أو في مناهجهم، ثم يذهبون للاستدلال له، وهذا خلاف منهج الحق، لذا فإن من سلك هذا المنهج في أصول الدين فإنه يهلك، كأن يعتقد آراء فكرة مسبقة، أو رأياً مسبقاً، ثم يذهب للاستدلال له، ولذلك فإن القاعدة الصحيحة التي عليها أهل الحق، وعليها منهج أهل السنة والجماعة هي أن تبحث عن الحق من خلال النص، لا أن تبحث عن النص الذي يؤيد رأيك؛ لأنه من هنا يأتي الهلاك، حتى فيما يجري بين المختلفين من أهل السنة، فتجد أن أغلب ما يقع فيه هؤلاء الذين وقعوا في الاختلاف هو مخالفة مناهج العلماء الراسخين في العلم، وسبب ذلك أن عندهم آراء وأهواء وتبعيات، سواء حزبية أو غير حزبية، شخصية أو عامة، فيريدون الاستدلال لها.
ولذلك يجدون من النصوص ما يكون فتنة لهم، ويجدون من أقوال العلماء ما يكون فتنة لهم، وهذا هو منهج المتكلمين الذين وضعوا في مفاهيمهم معنى لـ (لا إله إلا الله) غير المعنى الذي جاء به الشرع، وغير المعنى الذي تقتضيه لغة العرب، فوجدوا من الشبهات والمشتبهات وغرائب اللغة ما قد يدل على شبهتهم من جانب بعيد، وهذا هو موقع الفتنة.
قال رحمه الله تعالى: [فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون، كما تقدم بيانه، بل الإله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد، فهو إله بمعنى مألوه، لا إله بمعنى آله.
والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له، والإشراك أن يجعل مع الله إلهاً آخر].
نقف عند هذا الحد، والله تعالى أعلم.