قال رحمه الله تعالى: [وقد بين في كتابه الشرك بالملائكة, والشرك بالأنبياء, والشرك بالكواكب, والشرك بالأصنام، وأصل الشرك الشرك بالشيطان].
ذكر المصنف هنا ستة أنواع من الشرك، وهذه الأنواع يندرج فيها جميع أنواع الشرك، فالنوع الأول وهو الأخير في كلام المؤلف، وهو أصل الشرك وأساسه ومنطلقه: الشرك بالشيطان، سواء بعبادته أو طاعته، وهذا هو أصل أنواع الشرك الأخرى: الشرك بالملائكة، والشرك بالأنبياء، والشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام، كما أن هذه الأنواع من أنواع الشرك أيضاً لها تقسيمات أخرى، فمثلاً: الشرك بالملائكة والأنبياء بدعوى أنهم صالحون، وبدعوى أنهم يشفعون عند الله، وهذه كانت ذريعة الشرك الأول، ثم عبدتهم أجيال وأمم -أحياناً- وهي لا تدري لماذا عبدتهم؟ لكن أصل إشراك هؤلاء بالملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هو أن الشيطان أوهمهم بأن هؤلاء أقرب منهم إلى الله، وأنهم يشفعون لهم عند الله عز وجل، فأشركوا بهم، ثم تمادت وتجارت بهم الأهواء حتى جاءت أجيال من هؤلاء يعبدون الملائكة والأنبياء، وهم لا يدرون لماذا يعبدونهم؟ أما النوع الآخر فهو الشرك بالله عز وجل من خلال مظاهر معينة، إما مظاهر العظمة أو الخوف أو الرغبة أو الرهبة، كالشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام، فمنها ما هو ذريعة فلسفية إلى الشرك بالله، فمن ذلك: أنهم يزعمون أن الكواكب حلت فيها أرواح إلهية، أو أنها حلت فيها الملائكة، أو أنها تتضمن أرواحاً مقدسة، أو أن لها التصرف بالكون.
وكذلك الأصنام، سواء كانت أصناماً أو أوثاناً، أو أصناماً هي أحياناً حيوانات ونحوها، فكلها تسمى أصناماً، فيدخل في هذا الشرك بالشمس والقمر، والسجود للشمس والقمر والنجوم وغيرها، فهو شرك بالله عز وجل، سواء خافوا منها، أو رغبوا فيها، أو زعموا أنها حلت فيها أرواح تستحق التقديس، أو أنها أيضاً حلت فيها الإلهية، أو أن لها تصرفاً في الكون تستحق به العبادة، أو أن لها نفعاً.
فمثلاً: الذين عبدوا البقر فلسفتهم في هذا تنبع من أن البقر هي أنفع الحيوانات، يعني: أن الشيطان وسوس للناس حتى أوصلهم إلى الشرك.
وهناك عباد للشيطان يوجدون إلى اليوم، وهم مع الأسف مذهب من المذاهب التي تنسب إلى المسلمين، والغربيون الآن يصنفون عباد الشيطان على أنهم من ضمن فئة المسلمين في العراق، ويحاولون أيضاً أن يعطونهم كياناً، بل الآن كل شذاذ الديانات وشذاذ المذاهب في العراق تحاول قوى الكفر والاحتلال أن تنفخ فيهم حتى تكون لهم كيانات لتضرب بهم السنة، وليس فقط الإسلام، فهناك نوع من رفع الشعارات الإسلامية تؤيده أمريكا وأوروبا، ومعلوم هذا ما هو، لكنهم يريدون قمع السنة؛ لأن السنة هي الإسلام الحق الذي يخافون منه ويرهبونه.
وعلى أي حال هذا من فضول الأمور، ومن الترف الذي غالبه أقرب إلى الإثم؛ لأن الشرك كله عقوبته في الدنيا والآخرة واحدة، لكن كون بعضهم أشد عذاباً من بعض، فقد ذكر الله عز وجل عنهم بأنهم يتحاجون في النار، ولا نقف عند هذا الحد؛ لأنه ليس لنا شأن في العبادة، فالله يتولاهم، وأيضاً عندما نصنف الشرك تصنيفاً موضوعياً -لا من حيث موقفنا منه- لاشك أنه يتفاوت، فالشرك الأكبر يتفاوت، كما أن الشرك بمعناه العام يتفاوت، فهناك شرك أصغر لا يخرج الإنسان من الملة، كيسير الرياء، والتعلق القلبي ببعض الأمور التي لا يشرع التعلق بها، لكن الشرك الأكبر حكمه واحد.
أما كونه أنواعاً ودرجات فهذا معلوم عند جميع العقلاء، لكن درجات وشعب في حكمها، أما في الآخرة فلا فرق، فكلهم من أهل النار المخلدون، نسأل الله العافية.
قال رحمه الله تعالى: [فقال عن النصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:116 - 117]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:79] إلى قوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80]، فبين أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر].