قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ورأس الإسلام مطلقاً شهادة أن لا إله إلا الله، وبها بعث الله جميع الرسل، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] وقال عن الخليل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:26 - 28]، وقال تعالى عنه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:75 - 77]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [الممتحنة:4]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45]، وذكر عن رسله: كنوح وهود وصالح وغيرهم أنهم قالوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، وقال عن أهل الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:13 - 14] إلى قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:15]، وقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ذكر ذلك في موضعين من كتابه].
في هذا المقطع بين الشيخ رحمه الله أصولاً عظيمة، ومباني كبيرة من مباني الدين، بل هي أصول الدين الكبرى التي ينبني عليها أصل الدين كله، سواء ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أو ما بعث به جميع النبيين، وهو أنه يقوم على شهادة أن لا إله إلا الله، ثم بعد الإسلام: شهادة أن محمداً رسول الله، وقبل الإسلام الشهادة لكل نبي بأنه هو النبي المرسل، وركني الشهادة أو ركني التوحيد أو ركني العبادة: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، فهذه أصول عامة في كل دين منذ آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، بعث بها كل رسول وكل نبي وكل مصلح وكل داعية وكل مسلم يجب أن يعتقد ذلك، سواء من المسلمين بمعنى: الإسلام الاصطلاحي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسلمين الذين كانوا أتباع الأنبياء كلهم، فلابد أن يكون دينهم على ذلك، ثم أيضاً في هذه النصوص القطعية إشارة قاطعة إلى أن أصل الدخول في الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن من لم يقل ذلك أو يشهد به فليس بمسلم، وهذا يعطي القاعدة القطعية بأن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر، وهذه من القطعيات والثوابت التي بدأت تنهش أو تزعزع من قبل كثير من المفتونين، ولا أقصد مجرد الزنادقة وأهل الضلال، لكن المفتونين من جهلة أبناء المسلمين، ومن الذين بدأت الآن تغزوهم الأفكار الضالة عبر الوسائل الكثيرة، والذين لم يكن عندهم يقين بأن غير المسلم كافر، بل ربما بعضهم قد يكون كافراً خالصاً، والكفار على نوعين: هناك كفار خلص ينتمون إلى ديانات، وأمرهم بين وواضح مثل اليهودي والنصراني، وكذلك كل من ينتمي إلى ديانة غير الإسلام، فهو كافر أصلاً، لكن هناك أناس يدعون أنهم لا يتبعون ديانات، لكنهم قد يقرون بالنبوات على وجه العموم، وقد يقرون بأن الإسلام حق على وجه العموم، لكنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهؤلاء أيضاً يشكك في أمرهم كثير من الناس، مع أنهم يدخلون في الكفار الخلص؛ لأن كل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر خالص، سواء تسمى بدينه أو لم يتسمَ بدينه، والعكس كذلك، فكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فالأصل فيه الإسلام، ولا يجوز إخراجه من الملة إلا بعد إقامة الحجة عليه، وتطبيق شروط وضوابط التكفير، وانتفاء الموانع مهما بلغ فعله