قال رحمه الله تعالى: [فإن هذا الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوه: أحدها: أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فساداً في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم].
فمثلاً: الأكل والشرب والحزن والبكاء هذه يردها العاقل بدون أن نقول: إنه تجسيم، ولا ننفيها عن الله لمجرد أنها تجسيم، بل ننفيها عن الله لأنها غير لائقة أصلاً بحد ذاتها، لذا ليس هناك داع لأن نضيفها إلى مبدأ آخر، ونتكلف ونجر أذهان الناس إلى شيء مشتبه، وأكثر الناس قد لا يفهم؛ لأننا لو قلنا: إن الكثير من الناس غير متخصصين، أننا ننفي هذا؛ لأنه تجسيم، لم يفهم ما معنى تجسيم، لكن لو قلنا: ننفي هذه النقائص لأنها غير لائقة بالله، سيفهم كل إنسان ذلك؛ لأنه يشعر بأن هذه غير لائقة بالله، لا لأنها تجسيم، وإن كانت تشعر بالتجسيم، مع أن كلمة (التجسيم) كلمة مشتبهة.
إذاً: ليس السبب في نفيها هو مجرد أنها تشعر بالتجسيم فقط، بل تنفى هذه النقائص عن الله عز وجل لأنها نقائص خالصة لا تُشعر بكمال مطلقاً.
قال رحمه الله تعالى: [فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك، وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام].
يعني: أن الذي يمثّل الله بالخلق تمثيلاً جزئياً أو كلياً، أو يمثل الخلق بالله تمثيلاً جزئياً أو كلياً، فهو كافر بالإجماع.
قال رحمه الله تعالى: [والدليل معرِّف للمدلول ومبيّن له، فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى، كما لا يُفعل مثل ذلك في الحدود].
ولذلك التكلّف في إثبات البدهيات يسبب الشك والاضطراب في القلوب والعقول، ولذا من البدهي أن الله عز وجل لا يليق به أن يوصف بهذه الصفات؛ لأنها صفات نقص، فلا يحتاج أن نذهب لنأتي بأدلة ملتوية لنثبت أنها نقص؛ لأنها بالفطرة معروفة، وكذلك إثبات الكمال لله عز وجل لا يحتاج إلى تكلف كبير؛ لأنه فطري وبدهي، ولذلك لما تكلم السلف في هذه الأمور، وتكلموا في المسلك الكلامي في إثبات الحقائق، قال السلف: إن المسلك الكلامي في إثبات الحقائق يؤدي إلى الشك قبل أن يؤدي إلى اليقين، فيوقع الناس في ريب؛ لأن ثبوت الحقائق مبني على العقل السليم والفطرة المستقيمة، وأننا كلما تكلفنا في أدلة خارجية لإثبات البدهيات أوجد الشك أكثر مما يوجد اليقين، ولذلك لما قال أحد تلاميذ الرازي لما سألته امرأة عن هذا من هو؟ قال: هذا فلان بن فلان، ووضع عليه من الصفات والتبجيل الشيء الكثير، ثم قال لها: هذا شيخنا الرازي الذي يملك ألف دليل على وجود الله، فضحكت وقالت: تعس والله وخسر، أفي الله شك؟! إذاً: عنده ألف شك؛ لأننا لا نحتاج إلى أن نأتي بألف دليل على وجود الله، ولذلك التكلف في هذه الأمور يوجب الريب والشك، فعلى سبيل المثال: لو أنك في الصحراء مع مجموعة من الناس، والشمس طالعة، ثم قلت لهم: أرى الشمس طالعة، فيردون عليك: نعم لا شك أنها طالعة، لكن لو قلت لهم: أثبتوا لي أنها طالعة، فكيف سيكون الموقف؟! لاشك أنهم سيقولون لك: إن في عقلك خللاً، وإن كان هزلاً؛ لأن هذا ليس فيه مجال حتى ولو للهزل، فالأمر لا يحتاج إلى أن نبرهن على أن الشمس طالعة؛ لأن وجودها يبهر العيون.