قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [وأفسد من ذلك ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها، إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر، مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك، ويريدون الرد على اليهود الذين يقولون: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة، والذين يقولون بإلهية بعض البشر، وأنه الله].
نحتاج إلى أن نبيّن وجه القاعدة حتى نعرف ما بعدها.
فهو يقول رحمه الله: إن النفاة، سواء النفاة المعطّلة الخُلّص، أو من دونهم الذين ينفون شيئاً ويثبتون شيئاً كالمعتزلة، أو أهل الكلام الخُلّص من متكلمة الأشاعرة والماتريدية، فهؤلاء يخلطون خلطاً يجعل الإنسان الجاهل غير المتمكن في العقيدة يشتبه عليه الأمر، فيخلطون بين النقص الخالص وبين ما يُشعر بالنقص من وجه عند السامع دون إضافة اللفظ، فإذا أُضيف اللفظ إلى الموصوف زال الإشكال، أو كان السياق يدل على الكمال.
وهناك ألفاظ هي نقص بحت، مثل: الحزن والبكاء، والأكل والشرب، فهذه تنفى عن الله عز وجل؛ لأنه ليس له وجه من الحق، ولا تحتمل معنى من المعاني الذي يكون فيه كمال، بعكس ما أثبته الله لنفسه من بعض الأمور التي لو أُفردت لكان فيها وجه نقص، لكن ما جاء في سياق يدل على الكمال كانت كمالاً، مثل: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30]، فجاءت في مقابل المجازاة، فليست بنقص، فهو مكر بمعنى المجازاة لهم بحق على عملهم الذي استحقوه، وهو من باب العدل، لكن هم جعلوا هذا مثل ذاك، فجعلوا النقص الخالص مثل العبارة التي قد تُشعر بالنقص إذا جاءت في سياق، لكنها في سياق آخر لا تدل على النقص، وإنما تدل على الكمال، فهم خلطوا بين هذا وذاك.
ولذلك إلى الآن غير هؤلاء المتكلمين، وخاصة هؤلاء الذين بدءوا يرفعون رأس التصوف، أو راية التصوف، ومن رءوس البدع الجدد بدءوا الآن يوهمون الناس أن أهل السنة والجماعة مجسّمة ومشبّهة، ويقولون: إنهم أخذوا التجسيم والتشبيه عن اليهود، وصدرت في هذا كتب، ويزعمون أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي امتداد لعقيدة اليهود، ويقولون: إن أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل اليد والعين والحزن والبكاء، وهذا قد قالوه قبل مائتي سنة، وذلك حين حشدوا جيوشهم ضد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وسلّطوا ألسنتهم وأقلامهم فقالوا هذا الكلام، ونسبوا إلى السنة ما لا يقولون به؛ لأنهم لما قيل لعقلائهم: لماذا قلتم هذا؟! قالوا: من باب الإلزام، فما دمت تثبت اليد والوجه فيلزمك أن تثبت ما عداها من الأعضاء والجوارح! بينما أهل السنة لم يقولوا بذلك، ولما قيل لهم: لماذا اتهمتم أهل السنة بذلك؟ قالوا: لأنهم يثبتون اليد، واليد جارحة وعضو، وهذا يشتبه على كثير من السامعين الذين ليس لديهم فقه في العقيدة، والذين لم يتشربوا العقيدة، فيظنون أن شبهتهم صحيحة، مع أنهم لو عرفوا العقيدة لفرقوا بين هذا وذاك، إذ إن إثبات ما أثبته الله لنفسه على وجه الكمال، لا يعني إثبات ما قرروه هم بهذه الأشياء المثبتة، فهم جعلوا مع إثبات الوجه واليد إثبات جوارح أخرى لم يثبتها السلف ولم يقولوا بها، وإنما قالوا ذلك باللازم، ولازم المذهب ليس بلازم، ومثل ذلك الكلام عن الحزن والبكاء، فلما نفوا الحزن والبكاء -وهو لا يليق بالله عز وجل- نفوا ما يرون أنه مثله من الرحمة أو الغضب وغير ذلك من الصفات التي يظنون أنها من شاكلة الحزن والبكاء، فخلطوا بين الحق والباطل، ولبّسوا الحق بالباطل، فأراد الشيخ هنا أن يبيّن وجه الخطأ عندهم، ووجه الباطل الذي التزموه، أو أرادوا أن يلزموا به أهل الحق بغير حق.
قال رحمه الله تعالى: [فإن كثيراً من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك، ويقولون: لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسماً أو متحيزاً، وذلك ممتنع.
وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة، نفاة الأسماء والصفات، فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه].
يقول: إن أهل الكلام الذين لم ينفوا الأسماء وأثبتوا بعض الصفات ونفوا بعضها، إذا استعملوا هذه الطريقة ألزمهم الذين هم أشد غلواً في النفي، وهم الملاحدة من الجهمية وغلاة المعتزلة الذين ينفون الأسماء والصفات أو ينفون الصفات، فسماهم ملاحدة، لا لأنهم ملاحدة بأعيانهم، لكن لأن منهجهم هو منهج الملاحدة؛ لأن الملاحدة هم الذين ينفون النفي المطلق، فيقول: استظهروا عليهم، بمعنى: انتصروا عليهم، وقالوا: أنتم إذا كنتم تقولون هذا فمعنى ذلك: أن الأسماء والصفات التي تصفون بها الله ينطبق عليها هذا الكلام، فأهل الكلام عندما قالوا: ننفي اليد والوجه والاستواء والنزول؛ لأنها لا تليق بجلال الله عز وجل، لكن نثبت السمع والبصر، قال لهم المعتزلة نفاة الصفات: ما أثبتم فيما أثبتموه مثل ما نفيتموه، فوجه التجسيم والتشيبه كما أنه موجود في اليد والعين موجود في السمع والبصر، وعليه فيلزمكم أن تنفوا الجميع، ثم جاءت الجهمية للمعتزلة فقالوا: ما دمتم أنكم تثبتون الأ