هذه القاعدة تتلخص في أن ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في أسماء الله وصفاته وأفعاله وجميع أمور الدين وجب التسليم له دون مناقشة؛ لأن الكلام فيها كلام عن أمور قطعية توقيفية غيبية، ولأنه لا يمكن أن يسلم للمسلم إيمانه حتى يخضع ابتداء، ويسلم بأن الخبر عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حق وصدق، ولابد من أن يبني في قلبه تجاه هذه النصوص أربعة مبانٍ: الأول: التصديق.
الثاني: التسليم بكل معانيه بمعنى: الإيمان والإذعان وقبول الخبر، والاستعداد الكامل للتصديق والعمل، وينبني هذا على التسليم.
الثالث: ثم بعد ذلك القبول، إذا سلمت فاقبل، لأن هناك من يدعي أنه يسلم لكنه لا يقبل.
الرابع: أنه لا يلزم من القبول الفهم، فما كل الناس يفهمون الدين، بل لا يوجد عالم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يفهم الدين كله، لكن مجموع العلماء يفهمون الدين.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، لكن قد ينفرد بعض أفراد أهل الحق في ضلالاتهم وأخطائهم، وعلى هذا فلا يمكن أن يحيط أحد بالدين، ولا يلزم من قبول الدين أن تفهمه، بل يجب أن تقبله، فهمت أو لم تفهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا بياناً واضحاً في أكثر من حديث، ومن ذلك: حديث القدر، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصحابة يتجادلون في القدر قال: فما علمتم منه -يعني: من القرآن والسنة- فاعملوا به، وما لم تعلموا فردوه إلى عالمه)، يعني: قولوا: الله أعلم، ولا تجادلوا فيه.
إذاً: لا يلزم من القبول الفهم، وهذه نقطة مهمة جداً، فبعض الناس إلى اليوم وخاصة أصحاب النزعة العقلانية إذا ما يفهم لم يؤمن ولم يسلم، وإنما يجادل ويشكك في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن الدين كله لم يستوعبه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما بقية البشر فلا، بل أعلم العلماء في الأمة لا يستوعب الدين كله، فتجد عنده نقصاً في أمور.
وعليه فلابد أن يكون الأمر مبنياً على التسليم، والمسلم إذا غرس في نفسه هذه القاعدة، فإن أي خبر يأتيه عن الله عز وجل في أسمائه وصفاته، في القرآن أو ثبت في الصحيح، فإنه يسلم ويذعن، ويوقن أن خبر الله حق، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حق.
ثم إن القصد من دراسة أسماء الله وصفاته العمل؛ لأن كثيراً من طلاب العلم قد تجاوز هذا الأمر الخطير، لذا فعندما نتعلم أسماء الله وصفاته وأفعاله إنما المقصود تعظيم الله سبحانه، وغرس معاني الإيمان في قلوبنا؛ لأنه ما من صفة واسم لله عز وجل إلا وفيه معان، إذا امتلأ بها القلب تحقق معنى الإيمان في المسلم، وكذلك نقصد تزكية أعمالنا، وكذلك المسلم إذا سلم بهذه القاعدة فلا يمكن أن يؤول، ولا يمكن أن يثير شكاً في أسماء الله وصفاته، ولا يمكن أن تشكل عليه ألفاظ الأسماء والصفات، وما ذكره الشيخ هو ما ينطبق على الحديث السابق، فهو أحسن مثال له وأقرب مثال، فإذا جاء هذا الحديث نسلم بأنه حق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالصدق ونقبله، ولا يلزم من إيماننا أن نفهم.
إلى الآن العلماء يتكلمون في الحديث فهموا منه الحقيقة؛ لكن الكيفية أنى لأحد أن يفهمها؛ لأنها أمر غيب، كيف يكون ذلك؟ لا ندري، ولا يلزم أن ندري، ولا نستطيع أيضاً أن نتوصل إلى ذلك.