سمعتُ فلاناً، وإليهِ الإشارةُ بقولي: (كقولِ كُلِّهم: سمعتُ فاتَّحِدْ) ، لفظُ الأَدَاءِ في جميعِ الرواة فصارَ مسلسلاً بذلكَ، وكذلكَ قولُ جميعِهِمُ حدَّثَنا، أو قولُهَم: أخبرنا، وقولهُمُ: شهدتُ على فلانٍ، قالَ: شهدتُ على فلانٍ، ونحوُ ذلكَ. وجعلَ الحاكمُ من أنواعِهِ أنْ تكونَ ألفاظُ الأداءِ في جميعِ الرواةِ دالةٌ على الاتصالِ، وإنِ اختلفَتْ، فقالَ بعضُهم: سمعتُ، وبعضُهم: أخبرنا، وبعضُهم: حَدَّثَنَا، ولَم يُدْخِلِ الأكثرونَ في المسلسلاتِ إلاَّ ما اتفقتْ فيهِ صيغُ الأداءِ بلفظٍ واحدٍ، ومثالُ التسلسلِ في وقتِ الروايةِ حديثُ ابنِ عباسٍ، قالَ: شهدتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يومِ عيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، ... الحديث. فقد تسلسلَ لنا بروايةِ كُلِّ واحدٍ من الرواةِ له في يومِ عيدٍ وكحديثِ تسلسُلِ قَصِّ الأظفارِ بيومِ الخميسِ، ونحوِ ذلكَ. ومثالُ التسلسلِ بالمكانِ، كالحديثِ المسلسلِ بإجابةِ الدعاءِ في الْمُلْتَزمِ. وأنواعُ التسلسلِ كثيرةٌ. وقد ذكرَهُ الحاكمُ في علومِهِ ثَمَانيةَ أنواعٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ: والذي ذكرَهُ فيها إنَّمَا هو صُوَرٌ، وأمثلةٌ ثَمَانيةٌ، ولا انحصارَ لذلكَ في ثَمَانيةٍ.
قلتُ: لم يقل الحاكمُ إنَّهُ يَنْحَصِرُ في ثَمَانيةِ أنواعٍ، كما فهمَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنَّمَا قالَ بعدَ ذِكْرِهِ الثَّمَانيةَ: ((فهذه أنواعُ المسلسَلِ من الأسانيدِ المتصلةِ التي لا يشوبُهَا تدليسٌ وآثارُ السماعِ بينَ الراويينِ ظاهرةٌ)) . انتهى.