ساءَكَ ما سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((يُخْشَى على فاعلِ ذلكَ أنْ يُحْرَمَ الانتفاعَ)) .
قلتُ: وقد جَرَّبْتُ ذلكَ، فإنَّ شيخَنا أبا العباسِ أحمدَ بنَ عبدِ الرحمنِ الْمردَاويَّ، كانَ كَبِرَ وعَجَزَ عن الإسماعِ حتى كُنَّا نتألَّفُهُ على قراءةِ الشيءِ اليسيرِ، فقرأَ عليهِ بعضُ أصحابنِا فيما بلغني"العُمْدةَ" بإجازتِهِ من ابنِ عبدِ الدائمِ وأطالَ عليهِ فأضْجَرَهُ فكانَ يقولُ لهُ الشيخُ: لا أحْيَاكَ اللهُ أنْ تروِيَها عنِّي، أو نحوَ ذلكَ، فماتَ الطالبُ بعدَ قليلٍ، ولم ينتفعْ بما سَمِعَهُ عليهِ.
وليحذرِ الطالبُ أنْ يمنعَهُ التَّكَبُّرُ، أو الحياءُ عن طلبِ العلمِ، فقد ذكرَ البخاريُّ عن مجاهدٍ قالَ: ((لا ينالُ العلمَ مُسْتَحيٍ، ولا مُسْتَكبرٌ)) ، وليتجنَّبِ الطالبُ أنْ يظفرَ بشيخٍ، أو بسماعٍ لشيخٍ فيكتمَهُ لينفردَ بهِ عن أضرابهِ، فذلكَ لؤمٌ مِنْ فَاعلهِ، على أنَّهُ قد روينا فِعْلَ ذلكَ عن جماعةٍ من الأئِمَّةِ المتقدِّمينَ، كشعبةَ وسفيانَ الثوريِّ، وهُشيمٍ، واللَّيثِ، وابنِ جُرْيَجٍ، وسفيانَ بنِ عُيينةَ، وابنِ لَهِيْعَةَ، وعبدِ الرَّزَّاقِ، فاللهُ أعلمُ بمقاصدِهِم في ذلكَ. وروينا عن مالكٍ قالَ: مِنْ بَرَكَةِ الحديثِ إفادةُ بعضِهِم بعضاً