وسألَهُ ابنُهُ عبدُ اللهِ عمَّنْ طلبَ العلمَ، تَرَى له أنْ يَلْزمَ رجلاً عندَهُ عِلْمٌ فيكتبَ عنهُ؟ أو تَرَى لهُ أنْ يَرْحَلَ إلى المواضعِ التي فيها العلمُ فيسمَعَ منهمْ؟ قالَ: يرحلُ، يكتبُ عن الكوفِيِّينَ والبصريِّينَ، وأهلِ المدينةِ ومكَّةَ يُشَامُّ الناسَ يسمعُ منهم. وروينا عن ابنِ مَعِينٍ، قالَ: أربعةٌ لا تُؤْنِسُ منهم رُشْداً منهم رجلٌ يكتبُ في بلدِهِ، ولا يرحَلُ في طلبِ الحديثِ. وقالَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ: إنَّ اللهَ يدفعُ البلاءَ عن هذهِ الأمةِ برحلةِ أصحابِ الحديثِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولا يَحْمِلَنَّهُ الحِرْصُ والشَّرَهُ على التَّسَاهُلِ في السَّمَاع والتَّحَمُّل، والإخلالِ بما عليهِ في ذلكَ. وقالَ الخطيبُ: لِيَعْلَمَ الطالبُ أنَّ شهوةَ السَّمَاعِ لا تنتهي، والنَّهْمَةَ من الطلبِ لا تَنْقَضِي، والعِلْمُ كالبِحَارِ الْمُتَعَذِّرِ كيلُها، والمعادنِ التي لا ينقطعُ نيلُها.

فلا ينبغي له أنْ يَشْتَغِلَ في الغُرْبةِ إلاَّ بما يُسْتَحَقُّ لأجْلِهِ الرحلةُ.

وقولي: (حَمْلاً) تمييزٌ، أي: ولا تتساهلْ في الْحَمْلِ والسَّمَاعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015