بطلبِ الحديثِ، المشارَ إليهِ بالإتقانِ لهُ، والمعرفةِ بهِ. وإذا تساوَوْا في الإسنادِ والمعرفةِ فمَنْ كانَ مِنْ الأشرافِ وذوي الأَنسابِ، فهو أَوْلَى أن يُسْمَعَ منهُ.
وروينا عن الحافظِ أبي الفضلِ صالحِ بنِ أحمدَ التميميِّ، قالَ: ينبغي لطالبِ الحديثِ ومَنْ عُنِىَ بهِ أنْ يبدأَ بكَتْبِ حديثِ بلدِهِ، ومعرفةِ أهلِهِ منهم، وتفهُّمهِ وضبْطِهِ حَتّى يعلمَ صحيحَها وسقيمَها، ويَعْرِفَ مَنْ أهلُ الحديثِ بهَا، وأحوالَهُم معرفةً تامةً، إذا كانَ في بَلَدِه عِلْمٌ وعلماءُ، قديمًا وحديثًا. ثُمَّ يشتغلُ بعدُ بحديثِ البُلدانِ والرحلةِ فيهِ.
وروينا عن أبي عبيدةَ، قالَ: مَنْ شَغَلَ نفسَهُ بغيرِ المُهِمِّ أضَرَّ بالمُهِمِّ. وقالَ الخطيبُ: المقصودُ بالرحلةِ في الحديثِ أمرانِ:
أحدُهما: تحصيلُ عُلُوِّ الإسناِد وقِدَمِ السَّماعِ. والثاني: لقاءُ الحفَّاظِ، والمذاكرةُ لهم، والاستفادةُ عنهم. فإذا كانَ الأمْرَانِ موجودَيْنِ في بلدِ الطالبِ، ومعدومينِ في غيرِهِ، فلا فائدةَ في الرحلةِ، فالاقتصارُ على ما في البلدِ أولى. فإذا كانا موجوْدَينِ في بلدِ الطالبِ، وفي غيرِهِ إلاَّ أنَّ ما في كُلِّ واحدٍ مِنَ البلدينِ يختصُّ بهِ، أي: مِنَ العوالي والحفَّاظِ؛ فالمستحبُّ للطالبِ الرحلةُ لجمعِ الفائدتَيْنِ من عُلُوِّ الإسناْدَينِ، وعلمِ الطائفَتْينِ. لكن بعدَ تحصيلِهِ حديثَ بلدِهِ وتمهُّرِهِ في المعرفةِ بهِ. قالَ: وإذا عزمَ الطالبُ على الرحلةِ، فينبغي لهُ ألاَّ يتركَ في بلدِهِ من الرواةِ أحداً إلاَّ ويكتبَ عنهُ ما تيسَّرَ من الأحاديثِ، وإنْ قَلَّتْ فإنِّي سمعتُ بعضَ أصحابِنا يقولُ: ضَيِّعْ ورقةً ولا تُضَيِّعَنَّ شَيخَاً. وروينا عن أحمدَ