مَنْ تصدَّى لإسماعِ الحديثِ، أو الإفادةِ فيهِ فليقدِّمْ تصحيحَ النِّيَّةِ وإخلاصَها، فإنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وقد قالَ سفيانُ الثوريُّ: قلتُ لحبيبَ بنِ أبي ثابتٍ حَدِّثْنا. قالَ: حتى تجيءَ النِّيَّةُ. وقيلَ لأبي الأحوصِ سَلاَّمِ بنِ سُليمٍ حدِّثْنَا. فقالَ: ليستْ لي نيةٌ، فقالُوا لهُ: إنَّكَ تُؤْجَرُ. فقالَ:
يُمَنُّوْنَنِيَ الْخَيْرَ الكَثِيْرَ وَلَيْتَنِي ... نَجَوْتُ كَفَافاً لاَ عَليَّ وَلالِيَا
وروينا عن حمَّادِ بنِ زيدٍ أنَّهُ قالَ: استغفرُ اللهَ إنَّ لذكرِ الإسنادِ في القلبِ خُيلاءَ، وليكنْ أكبرَ هَمِّهِ نشرُ الحديثِ، والعلمِ، وقدْ أمرَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتبليغِ عنهُ، وقد كانَ عُروةُ يتألَّفُ الناسَ على حديِثهِ. وقالَ سفيانُ الثوريُّ: تَعَلَّمُوا هذا العلمَ فإذا عَلِمْتُمُوْهُ فَتَحَفَّظُوْهُ، فإذا حَفِظْتُمُوْهُ فاعْمَلُوا بهِ، فإذا عَمِلْتُمْ بهِ فانْشُرُوْهُ. ويُستَحَبُّ لهُ أنْ يستعملَ عندَ إِرادةِ التَّحْدِيثِ ما رويناهُ عن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّهُ كانَ إذا أرادَ أنْ يُحَدِّثَ توضّأَ، وجلسَ على صَدْرِ فراشِهِ، وسَرَّحَ لِحْيَتَهُ، وتمكَّنَ في جلوسِهِ بوَقَارٍ وهَيْبَةٍ، وحَدَّثَ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ أُحبُّ أَنْ أعظِّمَ حديثَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أُحَدِّثَ إلاَّ على طهارةٍ مُتَمَكِّناً، وكانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحدِّثَ في الطريقِ، أو وهوَ قائمٌ، أو يستعجلَ وقالَ: