حديثٍ من تلك الأحاديثِ، فقال البخاريُّ: لا أعرِفُهُ. فسأله عن آخرَ، فقال: لا أعرفُهُ. فما زالَ يُلقي عليهِ واحداً بعدَ واحدٍ حتى فرغَ من عَشَرَتِهِ، والبخاريُّ يقولُ: لا أعرفُهُ. فكان الفهماءُ ممَّنْ حضرَ المجلسَ يلتفتُ بعضُهم إلى بعضٍ. ويقولون: الرجلُ فَهِمَ، ومَنْ كان منهم غيرَ ذلكَ يقضي على البخاريِّ بالعَجْزِ والتَّقصِيرِ وقِلّةِ الفَهْمِ، ثم انتدبَ رجلٌ آخرُ من العَشَرَةِ، وسألَهُ عن حديثٍ من تلك الأحاديثِ المقلوبة، فقال البخاريُّ: لا أعرفُهُ. فسألهُ عن آخرَ، فقال: لا أعرفُهُ. فسألهُ عن آخرَ، فقالَ: لا أعرفُهُ. فلم يزلْ يُلقي عليه واحداً بعدَ آخرَ، حتى فرغَ من عَشَرَتِهِ، والبخاريُّ يقولُ: لا أعرفُهُ. ثم انتدبَ له الثالثُ والرابعُ إلى تمام العَشَرةِ، حتى فرغُوا كلُّهم من الأحاديثِ المقلوبةِ، والبخاريُّ لا يَزِيدُهم على لا أعرفُه، فلمَّا عَلِمَ البخاريُّ أنَّهم قد فرغوا التفتَ إلى الأولِ منهم، فقال: أمّا حديثُكَ الأولُ فهو كذا، وحديثُكَ الثاني فهو كذا، والثالثُ والرابعُ على الولاءِ، حتى أتى على تمامِ العَشَرَةِ، فردَّ كلَّ متنٍ إلى إسنادِهِ، وكلَّ إسنادٍ إلى متنِهِ. وفعلَ بالآخرينَ مثلَ ذلكَ، وردَّ متونَ الأحاديثِ كُلِّها إلى أسانِيدِها، وأسانيدَها إلى متونِها، فأقرَّ له الناسُ بالحفظِ وأَذْعَنُوا له بالفضلِ.
246.... وَقَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ ... نَحْوُ: (إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ... )
247.... حَدَّثَهُ -في مَجْلِسِ البُنَاني- ... حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَانِ
248.... فَظَنَّهُ -عَنْ ثَابِتٍ- جَرِيْرُ، ... بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ
أيْ: ومن أقسامِ المقلوبِ: ما انقلبَ على راويهِ، ولم يقصدْ قلبَهُ. مثالُهُ: حديثٌ رواهُ جريرُ بنُ حازمٍ، عن ثابتٍ البُنانيِّ، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فلا تَقُومُوا حتى تَرَوْني)) . فهذا حديثٌ انقلبَ إسنادهُ على جريرِ بنِ حازمٍ. وهذا الحديثُ مشهورٌ ليحيى بن أبي كَثِيرٍ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي قَتَادةَ، عن أبيهِ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.