تقديره: وهو أنْ يصفَ المدلّسُ شيخَهُ الذي سمعَ ذلك الحديث منه بوصفٍ لا يُعْرَفُ به من اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نسبةٍ إلى قبيلةٍ، أو بلدٍ، أو صنعةٍ أو نحوِ ذلك، كي يُوْعِّرِ الطريقَ إلى معرفةِ السامعِ له، كقول أبي بكرِ بن مجاهدٍ أحدِ أئمةِ القُرَّاْءِ: حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي عبدِ اللهِ، يريدُ به: عبدَ اللهِ بنَ أبي داود السجستانيَّ، ونحوَ ذلك. قال ابنُ الصلاحِ: وفيه تضييعٌ للمَرْوِيِّ عنه. قلتُ: وللمَرْوِيِّ أيضاً بأنْ لا يتنبهَ له فيصيرُ بعضُ رواتِهِ مجهولاً.
ويختلفُ الحالُ في كراهةِ هذا القسمِ باختلافِ المقْصَدِالحاملِ على ذلكَ. فشرُّ ذلكَ: إذا كانَ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنهُ ضعيفاً، فيدلّسُهُ حتى لا تظهرَ روايتُهُ عن الضعفاءِ. وقد يكونُ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنه صغيراً في السِّنِّ، أو تأخّرتْ وفاتُهُ، وشاركَهُ فيه مَنْ هو دونَهُ. وقد يكونُ الحاملُ على ذلك إيهامَ كثرةِ الشيوخِ بأنْ يرويَ عن الشيخِ الواحدِ في مواضعَ، يُعَرِّفُهُ في موضِعٍ بصفةٍ، وفي موضعٍ آخرَ بصفةٍ أخرى يُوهِمُ أنّهُ غيرُهُ. وممَّنْ يفعلُ ذلك كثيراً الخطيبُ، فقد كانَ لهِجَاً به في تصانيفهِ.
ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ حكمَ مَنْ عُرِفَ بهذا القسمِ الثاني من التدليسِ. وقد جزمَ ابنُ الصَّبَّاغُ في " العُدَّةِ " بأنَّ مَنْ فعلَ ذلكَ؛ لكونِ مَنْ روى عنهُ غيرَ ثقةٍ عندَ الناسِ،