تدليسٌ، فجعلوا التدليسَ أنْ يُحَدِّثَ الرجلُ عن الرجلِ بما لم يسمعْهُ منه بلفظٍ لا يقتضي تصريحاً بالسماعِ، وإلاَّ لكان كذباً. قالَ ابنُ عبد البرِّ: وعلى هذا فما سَلِمَ من التدليسِ أحدٌ لا مالكٌ ولا غيرُهُ.
فقولُهُ: في البيتِ الثاني: (وقال) ، معطوفٌ على قولِهِ: (بِـ: عَنْ وأنْ) ، أي: بهذهِ الألفاظِ الثلاثةِ ونحوِها، ومثله أنْ يُسْقِطَ أداةَ الروايةِ، ويسمّي الشيخَ فقط فيقولُ: فلانٌ، وهذا يفعلُهُ أهلُ الحديثِ كثيراً. قال عليُّ بنُ خَشْرَمٍ: كُنَّا عند ابنِ عُيينةَ، فقالَ: الزُّهْريُّ، فقيل له: حدّثَكُمُ الزهريُّ؟ فسكتَ. ثمَّ قالَ: الزهريُّ، فقيل له: سمعتَهُ من الزهريِّ؟ فقال: لا لم أسمعْهُ من الزهريِّ ولا ممَّنْ سمِعَهُ من الزهريِّ، حدّثني عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزهريِّ. وقد مَثَّلَ ابنُ الصَّلاحِ للقسمِ الأولِ بهذا المثالِ. ثم حكى الخلافَ فيمَنْ عُرفَ بهذا، هل يُردُّ حديثُهُ مطلقاً، أو ما لم يُصرّحْ فيه بالاتصال؟! واعلمْ أنَّ ابنَ عبد البرِّ قد حكى عن أئمةِ الحديثِ أنَّهُم قالوا: يُقبلُ تدليسُ ابنِ عُيينةَ؛ لأنَّهُ إذا وقفَ أحالَ على ابنِ جُريجٍ ومعمرٍ ونظائرِهما. وهذا ما رجّحَهُ ابنُ حبّانَ، وقال: وهذا شيءٌ ليس في الدنيا إلاَّ لسفيانَ بنِ عيينةَ، فإنّهُ كان يدلِّسُ، ولا يدلِّسُ إلا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكادُ يوجدُ لابنِ عيينةَ خبرٌ دلَّسَ فيهِ، إلاَّ