للمشهور أنواع: مشهور عند الفقهاء، ومشهور عند الأصوليين، ومشهور عند العوام، ومشهور عند المحدثين، فالمشهور بين أهل الحديث مثل حديث أنس: (قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان)، فهذا حديث مشهور جداً عند المحدثين، وليس بمشهور على الاصطلاح الذي يكون في إسناده ثلاثة رواة، بل قد يكون في الإسناد عزيزاً أو غريباً لكن هو مشهور عند المحدثين بمعنى أنه اشتهر على ألسنة المحدثين.
وهناك بعض الأحاديث اشتهرت على ألسنة الفقهاء كحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا حديث ضعيف، بل بعضهم قال: موضوع، والصواب أنه حديث ضعيف، لكن المعنى صحيح؛ لأن الله جل وعلا يبغض ذلك ويكره ذلك، إلا في حالات الضرورة أو الحاجات الشديدة.
ومثال المشهور عند الأصوليين حديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فهذا الحديث مشهور جداً عند الأصوليين؛ لأنه يتفرع عليه أبواب كثيرة جداً وأحكام كثيرة جداً؛ ولذلك اشتهر جداً عند الأصوليين، وهم يجعلون الجهل مثل النسيان، ولذلك ترى أنهم لا يؤثمون من وقع في الخطأ إن كان جاهلاً، وأيضاً لا يجعلونه يعيد العبادة مرة ثانية، فلو تعبد أحد لله عبادة بجهل فقد وقعت خطأ ولا يجعلونه يعيدها مرة ثانية، ويقولون: أنت معذور.
وهذه المسألة فيها تفصيل: فإذا كانت العبادة من الواجبات رفع عنه الإثم ويؤمر بالإعادة، وإن كان الفعل في المحظورات رفع عنه الإثم ولا يؤمر بالإعادة، وبالمثال يتضح المقال: لو صلى الظهر أربعاً لكن لم يسجد إلا سجدة واحدة، ثم بعد وقت طويل علم أنه سجد سجدة واحدة، فماذا نقول له؟ نقول: نسيت أو جهلت، والنسيان والجهل سواء، فرفع عنك الإثم لكن عليك أن تعيد الصلاة عند طول الفاصل، مثل ساعة ونصف أو ساعتين، فنقول له: أعد الصلاة؛ لأنك تركت واجباً، وحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ينفعك في رفع الإثم فقط.
مثال آخر: رجل كان يصلي العشاء فقال: زوجتي طالق، وكان مذهولاً، فلما انتهت الصلاة سلم الإمام وقال له: أكنت أقرأ في سورة البقرة أم في سورة الطلاق؟ فجاء الرجل وقال: سامحني، قد سهوت وذهلت عن نفسي أني في صلاة، فطلقت امرأتي بسبب مشاجرة وقعت بيني وبينها، فما حكم صلاتي؟ وما سأل عن امرأته، فهو لا يريدها، بل قال: الحمد لله أنا فصلت في المسألة، هي طالق بالثلاث، لكن ما حكم صلاتي؟ هنا يأتي الجواب فنقول له: أنت الآن عندما قلت: هي طالق هل كنت ناسياً أنك في صلاة؟ قال: والله كنت ناسياً أنني في صلاة، قلنا: يأتي الحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فأنت صلاتك صحيحة ولا إعادة عليك؛ لأنك أتممت أركان الصلاة وشروط الصلاة، والدليل على ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي عندما دخل فعطس رجل فقال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله، فالرجل ضرب على فخذه والصحابة ينظرون إليه شزراً لأنه تكلم في الصلاة، فقال: ويل أمي! لماذا تنظرون إلي؟ يعني: ما سكت، بل تكلم كثيراً، وبعدما انتهى من الصلاة وتكلم كثيراً أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الرجل: والله ما كهرني ولا نهرني ولا زجرني ولا سبني ولا شتمني، قال له: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس).
وجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة مع أنه تكلم، فنقول للرجل: هنيئاً لك، طلقت امرأتك، ووقعت طلقة واحدة ولك أن تردها، واتق الله ربك وأحسن إليها، وصلاتك صحيحة.
ومثال المشهور عند النحاة حديث: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه).
ومثال الحديث المشهور عند عامة الناس حديث: (العجلة من الشيطان)، وبعض العلماء رفع هذا الحديث للنبي وصححه.