الضعف بسبب خوارم المرءوة

كذلك مما يخص الراوي: العدالة، ولها مجال في صحة الحديث، فيضعف الحديث بنزع العدالة، وهي: التقوى والمروءة، فإن أتى بخوارم المروءة لم تؤخذ أحاديثه.

مثال ذلك: ما يروى عن أن ابن عمر دخل على نافع فوجده يصلي حاسر الرأس، وكان العرف أنه إذا خرج الرجل إلى الأسواق بدون غطاء الرأس فهو مخدوش المروءة، فقال له: يا نافع! أتخرج في الأسواق هكذا؟ قال: لا، فعنفه وقال له: فالله أحق أن تستحي منه.

فهذه فتوى ابن عمر خلافاً لفتوى بعض فقهاء العصر القائلين: للراقصة أن تصلي ببدلة الرقص بشرط أن تطفأ الأنوار.

فـ ابن عمر يبين لنا أن هذا من خوارم المروءة، فإن كان عندنا كذلك فتسقط عدالة الرجل ولا يؤخذ حديثه ولا علمه ولا روايته، لكن أعرافنا لينة سهلة، وكثير منها تبيح حاجات كثيرة جداً.

المثال الثاني: البخاري فإن له قصة عظيمة جداً، فقد رحل شهراً كاملاً ليأخذ الحديث من أحد الرواة، فوجده ومعه حماره، فأخذ الزنبيل الذي فيه الطعام، فقربه للحمار ليستدرجه حتى جاءه، ثم نظر البخاري في الزنبيل فلم يجد شيئاً، قال: ماذا تفعل؟ قال: أوهمه بالطعام حتى يأتي، فقال: إذا أوهم الحمار فيوهم البشر فلا آخذ حديثه، فجعلها خادشاً للمروءة واتهاماً في صدق الراوي.

المثال الثالث: ابن خزيمة أو أبو عوانة رحل إلى راوٍ فجاء على باب بيته، فإذا هو واقف على باب بيته يأكل تمرات، فلما نزل عن بعيره ليأخذ الحديث وجده يأكل التمرات، وكان ذلك عندهم من خوارم المروءة، فلما ذهب إليه قال: أرحل كل هذه الرحلة لآخذ منك الحديث، لا والله لا آخذ منك الحديث وأنت تأكل التمرات على باب بيتك.

الرجل لم يأكل في الأسواق بين الناس وإنما على باب بيته، ومع هذا فلم يأخذ حديثه لأن المروءات ماتت مع أهل المروءات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015