الشروط الخامس: انتفاء العلة

الشرط الأخير: انتفاء العلة.

والعلة في اللغة: المرض، يقال: رجل عليل أي: مريض، فلا يستطيع أن يسير أو يقف على قدميه ونفس الأمر في الحديث.

فالحديث الذي فيه علة لا يستطيع أن يتصدر أمام الناس.

والعلة في الحديث هي شيء غامض خفي يضعف به الحديث مع أن ظاهره الصحة.

وبهذا التعريف يخرج قول كثير من أهل العلم الذين يقولون: هذا الحديث فيه علة، وعلته مثلاً مجالد بن سعيد، أو علته ابن لهيعة؛ لأن هذا ضعف ظاهر، ونحن نقول: العلة هي سبب خفي غامض كما قال ابن مهدي وغيره العلة شيء ينقدح في قلب المحدث، ويقولون: هذا الحديث لا يشبه حديث الأعمش، وهذا الحديث ليس من حديث الزهري، فقد علموا السلاسل وعرفوا من يحدث عنه، فيعرفون أشبه ما يكون بحديث الأعمش، وأشبه ما يكون بحديث أنس، وأشبه ما يكون بحديث نافع، فصيارفة الحديث من التبحر الشديد يعرفونها ولا يذكرون لك سبباً.

ولذلك قالوا: هذا العلم إلى الجنون أقرب منه إلى العلم؛ لأنهم يقولون: هذا حديث ضعيف، فلما سألوا أبا زرعة كيف نعرف أن هذا هو الحق؟ قال: تسألني، فأقول لك هذا الحديث فيه علة، ثم تذهب لـ ابن مهدي فتسأله فيقول لك: هذا الحديث فيه علة، ثم تذهب لـ أحمد فتسأله فيقول: هذا الحديث فيه علة، وتذهب لـ يحيى بن سعيد القطان فتسأله فيقول هذا الحديث فيه علة، فتتفق كلمة الفحول من أساطين هذا العلم على العلة فتعلم أن هذا الأمر من الله جل وعلا قد قذفه في قلوب هؤلاء الذين انبروا وانفردوا بهذا العلم.

إذاً: العلة شيء غامض في الحديث يقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر الصحة.

والعلة تنقسم إلى قسمين: علة قادحة، وعلة غير قادحة.

أما العلة الغير قادحة فهي التي لا تؤثر على صحة الحديث.

مثال ذلك في السند: أن يأتي الحديث فيرويه الراوي عن عمرو بن دينار عن جابر مثلاً والحديث عن عبد الله بن دينار لا عن عمرو بن دينار كحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته).

فالحديث ليس عن عمرو بن دينار، بل هو عن عبد الله بن دينار فنقول: هذا الحديث فيه علة، وهي أن المحدث أبدل الراوي بغيره.

أو يكون الحديث عن سفيان الثوري، فأتى به عن سفيان بن عيينة، فنقول: هذا الحديث فيه علة، فقد أبدل الثوري بـ ابن عيينة، لكن هذه العلة علة غير قادحة؛ لأن الإبدال كان في الثقة، ونحن اشترطنا أن يكون الراوي ثقة وهو ثقة هنا.

فلو أن عبد الله بن دينار ثقة وعمرو بن دينار ثقة فنأخذ بالحديث ويكون الحديث صحيحاً لكن فيه علة وهي إبدال الراوي بغيره.

وثمرة هذه العلة أن يجعلنا نقول: إن هذا الراوي فيه وهم، فهو يهم قليلاً وربما أخطأ.

ومثالها في المتن: أن يقول في حديث جمل جابر بأنه باعه في المدينة، فنقول: لا، بل باعه وهو يسير، أو يقول: باعه بأوقية أو بدراهم، فنقول: هذا الخلاف ليس علة قادحة في الحديث.

لأن مضمون الحديث أن جابراً باع، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى، فأصل الحديث موجود، فلا تكون علة قادحة في الحديث، والعلة الغير قادحة لا تؤثر على صحة الحديث متناً ولا إسناداً، والعلة القادحة تؤثر على الحديث متناً وإسناداً وهذا له باب واسع ليس هذا محل التفصيل فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015