حديث أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: (يا رسول الله! أراك شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها) هذا الحديث أعله الدارقطني وضعفه في العلل وقال: هذا حديث مضطرب.
ثم بين علة الاضطراب فقال: لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق، وقد اختلف عليه فيه على نحو من عشرة أوجه، فبعضهم من رواه مرسلاً، وبعضهم رواه موصولاً، وبعضهم رواه من مسند أبي بكر، وبعضهم رواه من مسند أبي سعيد، وبعضهم رواه من مسند عائشة.
وهذه الأوجه متساوية في القوة، فلم يمكن الجمع بين هذه الاختلافات، فقلنا: هذا الحديث فيه علة الاضطراب مع صحة السند، فكل سند مجرد وحده صحيح؛ لأن رجاله ثقات، ومع ذلك نقول: هذا الحديث ضعيف؛ لأنه جاء من أوجه مختلفة، ولم نتمكن من الجمع بين هذه الأوجه.
مثال آخر: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فليضع عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط بين يديه خطاً ثم لا يضره ما مر أمامه).
هذا الحديث فيه اضطراب، فقد اختلف الرواة على إسماعيل بن أمية اختلافاً كثيراً، فقيل: عنه عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده عن أبي هريرة، وقيل عنه: عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو عن جده، وقيل: عن فلان بن فلان إلى أكثر من عشرة وجوه أيضاً، أيضاً.
وهذه الطرق كلها طرق متساوية، فلما تساوت وما استطعنا أن نفرق بين هذه الاختلافات ولا نجمع بينها قلنا: تعارضا فتساقطا.
والاحتياط في رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن نعل الحديث بالاضطراب، ونقول: هذا حديث ضعيف.
هذا مثال الاضطراب في الإسناد، أما الاضطراب في المتن فمثاله ما رواه الترمذي عن شريك بن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بيت قيس رضي الله عنها وأرضاها قالت (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، والرواية الأخرى التي رواها ابن ماجة أيضاً وفيها: (ليس في المال حق سوى الزكاة).
انظر إلى الاضطراب في المتنين: المتن الأول قال: (إن في المال حقاً سوى الزكاة)، والمتن الثاني: (ليس في المال حق سوى الزكاة)، ولا يمكن الجمع؛ ولذا قال الإمام العراقي: هذا الحديث مضطرب المتن، ولا يحتمل التأويل.
إذاً: يكون هذا الحديث فيه علة الاضطراب.