والشذوذ إما أن يكون في حديث، وإما أن يكون في حديثين، ونضرب أمثلة على ذلك: ففي حديث أبي هريرة في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون عادة)، والحديث في البخاري، وهو يبين جواز الصيام بعد نصف شعبان شريطة ألا تتقدم على رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون صيام عادة.
وهناك حديث آخر في السنن يقول: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا).
ففيه دلالة واضحة على عدم جواز الصيام بعد نصف شعبان.
فحديث السنن شاذ؛ لأنه خالف ما هو أرجح، وهو حديث البخاري، فتقدم حديث البخاري؛ لأن ما في البخاري أرجح، وقد خالف الثقة من هو أوثق، فتقدم الأوثق.
ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل: إن حديث (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) حديث شاذ.
يعني: ضعيف.
ومن الأمثلة أيضاً: حديث محمد بن عوف الطائي، وهو أن تقول بعد النداء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته).
فإن عشرة من الرواة رووا هذا الحديث بهذه الصيغة دون قولهم: (إنك لا تخلف الميعاد)، فجاء محمد بن عوف الطائي وزاد في روايته عند البيهقي: (إنك لا تخلف الميعاد) فيكون محمد بن عوف قد خالف عشرة من نفس الطريق -أي: من نفس السند- فنقول له: حديثك شاذ، وبالتالي فالثقة إذا خالف جماعة فإن حديثه شاذ.
يقول المصنف: الشاذ أن يخالف الواحد الجماعة، أو يخالف الواحد من هو أوثق منه أو أرجح.
كذلك من أمثلة الشذوذ: حديث الذهب المحلق، ففي السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تلبس الذهب المحلق.
وفي البخاري من حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالصدقة عمدن إلى ما في آذانهن من خروصهن وتصدقن به في حجر بلال).
إذاً: أثبت حديث البخاري أن النساء كن يلبسن ذهباً محلقاً، إذ أنهن عمدن إلى ما في آذانهن، وما في أيديهن، فنزعنه ووضعنه في حجر بلال، وعليه فحديث البخاري يخالف الحديث الذي في السنن، فيكون الحديث في السنن شاذاً.