الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع المنظومة البيقونية، وسنتحدث فيها عن الحديث الشاذ والحديث المقلوب، وقبل ذلك دفع لي أحد الإخوة بمقال لعله بجريدة الأهرام، عنوان هذا المقال: النقاب عادة وليس عبادة، لأستاذ مفكر إسلامي، نسأل الله العافية! وهكذا قد وكل الأمر إلى الأصاغر، ووسّد الأمر إلى غير أهله، ونطقت الرويبضة، نسأل الله العافية! سلف الأمة كـ ابن كثير والطبري وكل علماء الأمة من المفسّرين يقولون: إن النقاب عبادة مشروعة، بل هو واجب على رأي البعض، ومكرمة وفضيلة على رأي الآخرين، وإن كان الزمن زمن فتنة يصبح ستر الوجه أمراً واجباً لا شك فيه، والنصوص متضافرة وكثيرة في هذا الأمر، يقول ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، واقرأ في التفسير معنى كلمة: الإدناء، وتفسير ابن عباس لها.
ورحم الله نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنه ووضعنه على رءوسهن، وكن كالغربان من السواد، ولذلك يقول صفوان بن المعطل في حادثة الإفك: رأيت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وكنت أعرفها قبل نزول آية الحجاب.
ولما خرجت سودة بنت زمعة لتقضي حاجتها في المناصع بالبقيع، وكانت تلبس سواداً قال عمر: عرفناك يا سودة! لا تخفين علينا، فعرفها من طولها وعرضها.
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، وقالت أمنا عائشة: كنا نطوف حول البيت، فإذا خالطنا الرجال أسدلنا.
وكانت النساء إلى زمن قريب قبل حركة تحطيم المرأة لا تحرير المرأة في مصر ينتقبن، وآباؤنا وأجدادنا يذكرون هذا.
والمصيبة أن بعض من ينتسبون إلى العمل الإسلامي، ويظنون أنهم الجماعة الأم، أن أتباعهم في الجامعة يقولون: إن النقاب خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لنساء المؤمنين، فانظروا إلى التحلل والتفسخ، نسأل الله العافية! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الغربة الثانية التي نحن فيها: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، فيا أيها الغرباء! لا تعبئوا بأقوال العلمانيين، أو من ينتسبون إلينا وهم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا: العلم قال الله قال رسوله وما سواه وساوس الشيطان ولعلهم لا يستطيعون أن يحكموا في بيوتهم، ولا يملكون أمراً على زوجاتهم، فيريدون أن يجدوا ترخصاً لأنفسهم، وهذا هو الشاهد في الأمر، فإنه لا أحد يكره العفاف.