الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، يا أيها الناس! اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وعلمنا من جهل، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نعود إلى ما بدأنا به قبل شهر رمضان، وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يبلغنا رمضان أعواماً عديدة، ودهوراً مديدة، وأن يحسن خاتمتنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كنا قد توقفنا في أصول الفقه عند مصادر التشريع أو ما نسميه بأدلة الأحكام، وتحدثنا عن القرآن باعتباره أصل الأصول ومصدر المصادر، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى السنة باعتبارها المصدر الثاني، أو قل: المصدر الأول في نفس الرتبة مع القرآن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، فحاجة القرآن للسنة أشد من حاجة السنة للقرآن، ولا يمكن بحال أن نستغني عن السنة، والهجوم على السنة هجوم على القرآن، لكنهم لا يستطيعون أن يهاجموا القرآن، فمن طريق غير مباشر يتعدون على السنة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول لسيد البشر صلى الله عليه وسلم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، ويقول ربنا تبارك وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، فلا شك أن السنة لها منزلة عظيمة.
ولشيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى رسالة مختصرة تحمل عنوان: منزلة السنة في التشريع، بين فيه بالأدلة التفصيلية أنه لا يمكن بحال للقرآن أن يستغني عن السنة، فكلاهما يبين الآخر.