الخامسة والعشرون: فإنْ قلنا: إنَّ تواليَ الصبِّ يقومُ مقامَ العدد في المراتِ، دلَّ أيضًا علَى أنَّ جِريات الماء البخاري يقوم مقامَ المرات في الغسلاتِ المُعتبرة، كعدد الغَسَلات في ولوغ الكلب؛ لمساواةِ ذلك للماء المصبوب.
السادسة والعشرون: قد ذكرنا من مذهب الشّافِعية أن جِرياتِ الماء الجاري مُتَفاصِلَة، فما فوقَ النَّجاسَة من الماءِ الجاري طاهر، ما لمْ ينتهِ إليها، واستشهدَ بعضُهُم في ذلك بما أجمعوا عليه من أنَّ إبريقًا لو صُبَّ من بُزالِهِ ماءٌ علَى نجاسة، كان الماءُ الخارجُ من البزالِ طاهرًا ما لمْ يلاقِ النَّجاسَة، وإنْ كان جاريًا إليها، كذلك ما جرَى إلَى نجاسة، فلِقائِلٍ أنْ يقولَ: الصبُّ من الذنوبِ علَى الأرضِ فيهِ هذا المعنَى المذكور في بزال الإبريق، فليكنْ دالًا وأصلًا يُستشهَدُ به علَى ما قَالَ.
فإن اعتُرِضَ عليه: بأنَّ الذنوبَ يمكنُ أنْ يصبَّ ماؤُهُ دفعةً واحدة، فلا يَحصُلُ فيهِ المعنَى المذكور في بزال الإبريق، فلا يكون مثلَهُ في صحة الاستشهاد.
فيقال عليه: قد أُمِرَ بالصبِّ مُطلقاً، فمتَى حصل مُسمّاه حَصَل الامتثالُ، وبالصبِّ علَى التدريج يَحصل المُسمَّى؛ أعني: مُسمَّى صبِّ الذَّنُوب عليه، فيَحصُلُ به الإجزاءُ لاندراجه تحتَ ما دلَّ عليه (?) إطلاق اللفظ، وإذا حصل الإجزاءُ به في هذه الصورة،