إخلاص الدين لله جل وعلا أصل الأصول

بدأ المؤلف رحمه الله من هذه الأصول بالأصل الذي هو الأصل الأصيل، وهو توحيد الله جل وعلا، فقال رحمه الله: [الأصل الأول: إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، ثم لمّا صار على أكثر من الأمة ما صار أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباعهم] .

هذا هو الأصل الأول من الأصول الستة وهي أصول مهمة.

فالأصل في هذه الدنيا وفي هذا الوجود هو عبادة الله جل وعلا التي قال عنها الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، والتي جاء الأمر بها في أول الكتاب الحكيم؛ فإن أول أمر في كتاب الله هو الأمر بالتوحيد في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ، فأول خطاب في كتاب الله الحكيم وجهه للناس عموماً هو الأمر بالتوحيد، وهذا يدل على أهمية هذا الأمر وخطورته ووجوب العناية به.

قال رحمه الله تعالى: [إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له] .

(إخلاص) أي: تخليص.

فهو مصدر بمعنى: تخليص الدين.

والدين هو العمل المراد إخلاصه لله تعالى، أي: تخليص العمل.

ومعنى تخليصه وإخلاصه: تبرئته من كل لوث وشرك مع الله سبحانه وتعالى فإخلاص العمل تبرئته من كل نصيب لغير الله جل وعلا، والعمل يشمل العمل القلبي وعمل الجوارح -العمل الظاهر-، فيشمل الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، ويشمل الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة، فإن الجميع يجب إخلاصه لله سبحانه وتعالى.

وهل هناك دليل في الكتاب يدل على أن الدين يأتي بمعنى العمل؟ الجواب: نعم.

وهو قول الله تعالى: {أَلاَ ِللهِ الدِّينُ الخَالِصْ} [الزمر:3] ، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} [الكافرون:6] أي: لكم عملكم ولي عملي.

أما قوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] فالدين هنا بمعنى الجزاء والحساب، وليس بمعنى العمل، وعلى هذا لا يكون المعنى: مالك يوم العمل؛ لأن يوم العمل هو هذه الدنيا، أما الآخرة فليست دار عمل، وإنما هي دار حساب وجزاء.

قال رحمه الله تعالى: [إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له] .

ألم يكن يكفي أن يقول: [إخلاص الدين لله تعالى] عن قوله: [وحده لا شريك له] ؟ الجواب: بلى.

لكن قوله: [وحده لا شريك له] تأكيد لمعنى الإخلاص، فـ (وحده) تأكيد لمعنى التوحيد، و (لا شريك له) تأكيد لمعنى نفي الشرك، وأنه لا شريك له سبحانه وتعالى في شيء من أموره، لا شريك له في ملكه، ولا شريك له في خلقه، ولا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في إلهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، ولا شريك له فيما يجب له من العبادة، فيجب إفراد الله عز وجل بكل ما يستحق، فالله جل وعلا ليس كمثله شيء في شيء من شئونه، كما قال سبحانه عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015