وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى: أما في اللفظ فظاهر وأما في المعنى فلكونها تغيرت عن مفهومها في الأصل إلى إفادة معنى التضعيف.
ورد بأنه لو كان المانع من صرف "أحاد" مثلا عدله عن لفظ واحد وعن معناه إلى معنى التضعيف للزم أحد أمرين: إما منع صرف كل اسم يتغير عن أصله لتجدد معنى فيه كأبنية المبالغة وأسماء الجموع، وإما ترجيح أحد المتساويين على الآخر واللازم منتف باتفاق، وأيضًا كل ممنوع من الصرف لا بد أن يكون فيه فرعية في اللفظ وفرعية في المعنى، ومن شرطها أن يكون من غير جهة فرعية اللفظ ليكمل بذلك الشبه بالفعل، ولا يتأتى ذلك في "أحاد" إلا أن تكون فرعيته في اللفظ بعدله عن واحد المضمن معنى التكرار، وفي المعنى بلزومه الوصفية وكذا القول في أخواته.
وأما أخر فهو جمع أخرى أنثى آخر بفتح الخاء بمعنى مغاير، فالمانع له أيضًا العدل والوصف، أما الوصف فظاهر وأما العدل فقال أكثر النحويين: إنه معدول عن الألف واللام؛ لأنه من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يجمع إلا مقرونًا بأل، والتحقيق أنه معدول عما كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذكر بدون تغير معناه، وذلك أن آخر من باب أفعل التفضيل فحقه أن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث إلا مع الألف واللام أو الإضافة فعدل في تجرده منهما واستعماله لغير الواحد المذكر عن لفظ آخر إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث بحسب ما يراد به من المعنى، فقيل عندي رجلان آخران ورجال آخرون وامرأة أخرى ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة معدولة عن آخر، إلا أنه لم يظهر أثر الوصفية والعدل إلا في "أخر" لأنه معرب بالحركات بخلاف "آخران وآخرون"، وليس فيه ما يمنع من الصرف غيرهما بخلاف "أخرى" فإن فيها أيضًا ألف التأنيث فلذلك خص "أخر" بنسبة اجتماع الوصفية والعدل إليه وإحالة منع الصرف عليه، فظهر أن المانع من صرف "أخر" كونه صفة معدولة عن "آخر" مرادًا به جمع المؤنث لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فعل لتجرده من "أل" كما يستغنى بأكبر عن كبر في قولهم "رأيتها مع نساء أكبر منها".
تنبيهان: الأوّل: قد يكون "أخر" جمع "أخرى" بمعنى آخرة فيصرف؛ لانتفاء العدل؛ لأن مذكرها آخر بالكسر، بدليل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} 1، {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ