قبول توبة المنافقين واستغفار رسول الله لهم إن تابوا

ثم يخفف الله عنهم ويبين علاج الموقف فيقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [النساء:64] أي: بالتحاكم إلى الطاغوت والصدود عنك وعما أنزل الله {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} [النساء:64] على ما كان منهم من صدود، وعلى ما كان منهم من خطأ وإعراض عنك.

وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64] ؛ هل كل مذنب لا يُقبل منه استغفار ولا رجوع، أو لا تقبل له توبة حتى يأتي إلى رسول الله يستغفر له؟ الآية تقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} أي: بالمعصية، سواء كانت عامة أو خاصة في هذه القضية (جَاءُوكَ) يا محمد {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64] ، هنا الشرط: لو أنهم جاءوا واستغفروا واستغفرت لهم لوجدوا المغفرة، هل المغفرة لا تقع لمذنب إلا إذا جاء واستغفر له رسول الله، أم أن التوبة بينك وبين الله وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد؟ يقول تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] .

ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} [البقرة:186] ، فلا واسطة، لكن لماذا كانت الواسطة هنا؟ ف

صلى الله عليه وسلم أننا ننظر في قضية المنافق هنا هل هو أعرض عن كتاب الله وحكمه فقط، أم أنه صد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً؟ الجواب: أنه صد عن رسول الله أيضاً، إذاً: الرسول له حق في هذه القضية، فكأن مجيء المنافق إلى رسول الله ليستغفر الله بين يديه، إعلان لرجوعه وتوبته، وإذا استغفر له رسول الله فمعنى ذلك أنه أسقط حقه على ذلك المنافق، فيكون أهلاً لأن يغفر الله له.

فمجيء المسيء في ذلك الوقت إلى رسول الله كان لحق رسول الله؛ لأن إعراضه عن حكم رسول الله فيه تعدٍ عليه وانتقاص له صلى الله عليه وسلم.

وهذا مثال بسيط: لو جئنا إلى دائرة من الدوائر وفيها المدير، واثنان من الموظفين تنازعوا فيما بينهم، والدائرة كبيرة وفيها أقسام وكل قسم فيه رئيس، هؤلاء العمال في هذا القسم لديهم رئيسهم، فلما حصل النزاع فيما بينهم تركوا رئيسهم وذهبوا إلى رئيس قسم آخر، ثم بعد مدة سمع رئيسهم بهذا؛ فما الذي سيكون في نفسه؟ سيقول: ذهبتم إلى غيري! معناه: أني لست كفؤاً لكم، وأنكم غير محسني الظن بي وهذا فكأن فيه هضماً لحق رسول الله فيما هو حق له في أن يحكم بين الناس بالعدل فتخطي هذا المنافق لرسول الله وإعراضه عن حكمه فيه هضم وتعدٍ على حقوق رسول الله؛ فكان من الواجب لرد هذا الاعتبار والحق أن يأتي إلى رسول الله لا أن يستغفر رسول الله، بل لكي يستغفر له رسول الله.

وهل رسول الله سيستغفر له وهو ساخط عليه أم بعد أن يسامحه؟ إذاً: استغفار رسول الله لهذا الجائي إليه دليل على أنه سامحه، فإذا سامحه رسول الله فإنه سيجد الله تواباً رحيماً.

وأمرهم بإتيان النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقروا بذنبهم؛ لأن الذنب هنا مشترك: جانب في حق الله، وجانب في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فمَن في المشرق ومَن في المغرب ومن تحت الثرى، ومن في أعماق المحيط ومن في مركبة فضائية في الهواء، وسأل الله ودعاه؛ يجد الله أقرب إليه من حبل الوريد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015