ولذا كانوا يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أمر المنافقين ولكن لم يقتلهم، وقد سئل عن ذلك، فقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) أي: إن هؤلاء يدعون أنهم أصحابي أفأقتلهم؟ (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) بعضهم يقول: الموعظة تكون عامة كقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام) ، (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ) أي: بينك وبينهم، لكن الصواب الوجه الثاني وهو أن الموعظة: التخويف والزجر.
وقوله: (فِي أَنفُسِهِمْ) : حتى يرحموا أنفسهم بأنفسهم، قل: أنتم على ضلال أنتم ضائعون، نبههم على الخطر الذي يحدق بهم، وكأن: (عِظْهُمْ) تعني كلاماً عاماً، لكن (فِي أَنفُسِهِمْ) أي: في خواص أشخاصهم؛ لأنهم أولى من يكون أن ينقذ نفسه.
(وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) القول البليغ هو: الذي يبلغ الإنسان غايته، كما تقول: بلغت الغاية، والبلغة: الغاية المقصودة، والشيء الذي يبلغك إلى غايتك، والكلام البليغ بخلاف الكلام العيي؛ فالكلام البليغ: هو الذي ينقل المعنى من مكان إلى مكان آخر، فإن كان بليغاً فصيحاً واضحاً حمل المعنى ونقله، وإن كان مفككاً -مثل حالتنا- فإن المعنى يتعثر.
إذاً: (قَوْلًا بَلِيغًا) يعني: ينفذ من عندك إليهم، وكما قالوا: ما خرج من القلب وصل إلى القلب، وليس بعد بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيراده الخبر بلاغة، فقد أُعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] ، (بإذن الله) هل يعني: بما أمر الله أم بتوفيقه، والويل لمن لم يوفقه الله؟ نحملها على المعنى الأول، وإن كان المعنى الثاني أيضاً متلازماً مع المعنى الأول.