علماء الحديث والسلف على المعنى المتقدم في معنى قوله: (التقوى هاهنا) ، وبعض الناس ذهب إلى فهم خاطئ، وقال: (التقوى هاهنا) ، معناه أنه إذا كان القلب تقياً فلا عليك من أي شيء بعد ذلك، ولو أنك ما صليت ولا صمت ولا حججت ولا زكيت ولا فعلت شيئاً، كما يقولون: طهِّر قلبك.
فهذه خدعة، ومتى يكون القلب طاهراً نقياً مليئاً بالتقوى وهو يترك الصلاة والصيام والزكاة والحج؟ فهل هذا تقي؟ بل شقي، فهذا فهم خاطئ فهمه بعض الناس.
وهذا مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] ، فيقول الصديق رضي الله تعالى عنه: من الهدى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فليس المعنى أن عليكم أنفسكم، ولا يضركم من ضل! فمن الاهتداء أن تأمروا وتنهوا، فإذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وقمتم بواجبكم فبعد هذا يتحقق قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] .
فالحديث بين أيدينا يصحح مفاهيم الناس، ويمنعهم أن يحتقر بعضهم بعضاً لأمور مادية، بل يقول: إن مقياس الكرامة ومنع الاحتقار إنما هو في التقوى، والتقوى ليست لها معالم ظاهرة، ولكنها تقر في القلب.
وقد جاء في الحديث الصحيح: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ، فكيف يدعي أناس أن القلب إذا ملئ بالتقوى اكتفى؟ فالحقيقة أنه إذا ملئ بالتقوى فاض على الجسم والجوارح كلها بالتقوى.
وجاء حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على شخص يصلي ويعبث في الأرض أمامه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) .
فالقلب يسيطر على الجسم، فإن ملئ بالتقوى فكل الأعضاء تبع له، وكما يقولون: القلب هو الملك وسلطان الجسم، فكيفما يكون القلب يكون الجسم تبعاً له، فإذا كان تقياً طاهراً فالجسم كله تبع له.
فلتصحح المفاهيم في قوله صلى الله عليه وسلم: (التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا) ، رداً على من يحتقر غيره لأمر مادي.