قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب على خطبته) .
إذا تقدم شخص إلى أسرة وخطب امرأة، وأصبحوا يتفاوضون ويتفاهمون في كيفية الزواج ومقدار الصداق، وكانوا قد اطمأنوا إليه فإنه يكون قد ركن بعضهم إلى بعض.
وقد يأتي شخص يرى نفسه فوق ذاك الخاطب الأول، ويعلم من نفسه أنهم يطمعون فيه، فيأتي ويخطبها، وحينئذٍ فأقل شيء يقولونه أن يقولوا: لو تقدمت قبله، ليتك تقدمت من زمان، فبنتنا ضاع نصيبها مع هذا.
فيفسد عليهم رضاهم بالخاطب الأول، فإذا ضعُفَت نفوسهم وقالوا: قبلناك يأتي الأول فيقولون له: لقد تأخرت، فيقول: نحن متفقون، فدعونا نتفاهم.
فيقولون: لا.
وحقيقة أمرهم أن المال جاء من جهة، والطمع والفساد جاءا من جهة أخرى.
وهنا يقول الحنابلة: إن كانوا قد ركنوا إليه، وجاء خاطب وخطب فقبلوه فُسِخ العقد؛ لأنه معتدٍ، ولا يحق له أن يدخل عليها، ولو دخل عليها يفسخ هذا النكاح عند الحنابلة.
وهذا من المزاحمة المذمومة وشح النفس.
فإذا حسنت المعاملات، انقضى خطر الحسد، ومنع التناجش، وإذا لم يكن هناك بيع الآخرين، ولا تدابر فإنه سيصبح المجتمع بغير حسد، ولا بغض، ولا تدابر، ولن تجد إنساناً يتمنى مضرة لأخيه، وسيصبحون عباداً لله إخواناً.
ومن عمل شيئاً من تلك المسميات فبعيد أن يكون من عباد الله المتآخين، وإنما يكون منتهكاً حرمة الأخوة بين الناس التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عباد الله إخوانا) .
لو نظرنا وتأملنا فما أطيب كلمة (إخوان) ، فأنت أخي، وأنا أخ لك، والله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) ، أما الأحساب والأنساب والمراكز والمواقف والعطاءات والأشكال فكلها نسبية، فإذا كان إنسان في أعلى نسب في الأمة، فهل كان له كسب وعمل حتى صار نسيباً؟ فالله سبحانه وتعالى أراد لك أن تأتي من أبوين شريفين نسيبين نسباً عالياً، وأنت حينما حُملت في البطن ونزلت إلى الدنيا ليس لك فضل في كونك حسيباً.
وفرق بين النسب والحسب، فالنسب: هو صفة الأبوين، وما ينتميان إليه من هذه القبيلة أو تلك والحسب: هو ما يوجد لأسلافه من أمجاد مكتسبة يحسبها ويقول: كان أبي كذا.
وكان جدي كذا.
وخالي عالم، وابن عمي صفته كذا.
وأمي من كذا.
ويحسب أشياء مما يتفاخر بها الناس من المكتسبات.
فكونك نسيباً لا فضل لك فيه، إنما هو شرف حصلت عليه فضلاً من الله، وكذلك كونك حسيباً، فماذا فعلت أنت حتى تشرف بفعلك؟ أتتشرف بفعل غيرك؟ فغيرك قد حسبوا، وأصبحوا من أهل الحسب الرفيع والفخار الكبير.
كبعض الناس الآن، حيث يتشدق قائلاً: كانت لنا الدنيا وكنا قادة.
فهؤلاء يقال لهم: وماذا فعلتم أنتم؟ هدمتم ذاك الحسب، وضيعتم ذاك الحسب، فاعملوا كما عمل أولئك.
وتجد صاحب المال الكثير يتعالى على الفقير المسكين، فهو مال وعرض، وظل زائل يأتي ويذهب، كما قيل: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل وقيل: وما تدري إذا يممت أرضاً بأي الأرض يدركك المبيت وكم من غني يصبح لا شيء عنده، وكم من فقير تفتح له الدنيا زهرتها؛ لأنه ليس لها قيمة، فهل هذا يطغيه أو يلهيه أو يشغله؟ فكل هذه الأشياء لا ينبغي أن تفرق بين بني الإنسان.