ننتقل إلى سورة المجادلة قال الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:1-2] ، بعد منكرٍ وزور عفوٌّ عفور، لاحظوا فضلَ الله! {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً.
} ، قد تحتاج: (والله شديد العقاب) ؛ لكن (والله عفو غفور) ، والله! إنها لسعةُ فضل من الله؛ لأنها قضايا قد تقع بين الزوجين، وكأن الله يرشد الزوجين إلى المغفرة والرحمة فيما يقع بينهما، لا أن يقفا بسوط وبعصا، ويعاقب كل منهما صاحبه، مع أن الظهار لا يأتي إلا في حالة الغضب، فلو قال: (والله شديد العقاب) ، إذاً: فدَعْه يأخذ حقه منها؛ لكن (عفو غفور) فبدلاً من أن تقول لها: أنت علي كظهر أمي، قل لها: أنت كأختي عاطفةً ورحمةً ومودة، أنت تقول منكراً من القول وزوراً، والله يقول لك: أنا عفو غفور! ثم بعد هذا المنكر من القول والزور من العبد يأتي الحل وفض المشكلة: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] : ليس معنى (يَعُودُونَ) أي: إلى قوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي، لا، بل يعود إلى التي قال لها: أنت علي كظهر أمي، يعود إليها كزوجة، ولكن قبل ذلك: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] ، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} [المجادلة:4] ، وما قال: (فمن لم يجد) ؛ لأن هذا راجع إلى الاستطاعة، والصيام موجود.
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [المجادلة:4] : هم مؤمنون من السابق؛ ولكن لتؤمنوا بفرائضه وتشريعاته، والإيمان بالله يستلزم السمع والطاعة، وكأنه يقول: إيمان عمل، إيمان تنفيذ.
{ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ.
} [المجادلة:4] : لأنه قال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [المجادلة:4] ، فمن لم يؤمن بتشريع الله، ولم يعمل بهذه الحدود ويقيمها كما أمر الله يكون كافراً، {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة:4] .
إذاً قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [المجادلة:4] لقضية الظهار بكاملها، والإيمان بالله يكون اعتقادياً، وعملياً.