لقد كانت المعركة قوية، والنزاع شديداً، بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في أمرين: كون الله إلهاً واحداً، وكون الناس يبعثون بعد الموت، ومكث صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة وهو يجاهد في هذين الأمرين، وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ، ويأتي رجلٌ بعظم بالٍ من سنين ماضية ويفتته بين يديه، ويقول: من يحيى هذه العظام التي قد صارت رميماً؟ ويأتي الجواب بمنتهى الهدوء والإقناع بيقين: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79] .
فالمشركون استعظموا الأمرين: كون الآلهة إلهاً واحداً وهم يؤمنون بآلهة متعددة، ومشكلتهم في التعدد، لو قال لهم: آلهة متعددة؛ واحد في السماء والبقية عندكم ما خالفوه، كما قال عدي حين سأله صلى الله عليه وسلم: (كم إلهاً لك يا عدي؟ قال: سبعة، قال: أين؟ قال: واحد في السماء وستة في الأرض!) ، لو أن الرسول قال: الآلهة ثلاثة أربعة خمسة فلا مانع ولا نزاع، إذاً: هم يؤمنون بمبدأ التأله أو الألوهية، ولكنهم يعددون والرسول يدعوهم إلى التوحيد، فقال: (من الذي لرغبتك ولشدتك، قال: الذي في السماء) .
إذاً: قضية الألوهية موجودة، لكن الخلاف في التعدد.
وقضية البعث هم يستبعدونها؛ ولذا نجد أن القرآن الكريم عُني بهذه القضية، وبإقامة الأدلة عليها بما لا يدع مجالا لشك قط ولو مع أنصاف العقلاء.
لا أقول: كاملي العقول بل أنصاف العقلاء، فإنهم لو تأملوا أدلة القرآن الكريم لما أنكروا يوم البعث، ولو أن الشيوعيين الذين لا يؤمنون بآلهة ولا بأديان ولا برسل ولا بكتب ولا ببعث نوقشوا بهدوء في وجود الله سبحانه وفي وجود البعث لما أنكروا.
الدهريون قالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ، بطون تدفع وقبور تبلع، فهذه البطون التي تدفع من الذي يدفعها ومن أين جاءت؟! لو أعملوا عقولهم وتدبروا لوصلوا إلى نتيجة.