(قوله: والصدقة تطفئ الخطيئة) .
والصدقة أوسع الأبواب؛ لأن الصدقة لا تتوقف على المال والغنى، بل الفقير له حظ في ذلك، وقد جاء أن فقراء المهاجرين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكوا له فقالوا: (ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.
قال: أوليس الله قد جعل لكم ما تصدقون: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليله صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة ... ) إلى آخره.
والحديث الآخر: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) .
إذاً: باب الصدقة واسع ولو بالشيء الحقير، قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) .
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تأكل عنباً، ويأتي سائل، فتأخذ حبة وتعطيه، فيأخذها المسكين ويقلبها يميناً وشمالاً، فهذه حبة عنب، لكن لا تستقلها، فإن الله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} [الزلزلة:7] ، انظر كم في الحبة من مثاقيل الذر! وفي يوم من الأيام كانت عائشة صائمة، وأتاها مسكين، فقالت: لـ بريرة: أعطيه، قالت: ما عندي شيئاً، قالت فتشي، قالت: لا يوجد إلا قرص شعير تفطرين عليه في المغرب -وكان الوقت بعد العصر- قالت: أعطي المسكين وعند المغرب يرزق الله.
تمشي بريرة متثاقلة فدفعت القرص للمسكين، وجاء المغرب وقامت أم المؤمنين عائشة تصلي، وقبل أن تختم صلاتها إذا بطارق يطرق الباب، وتنتهي أم المؤمنين من صلاتها وتلتفت فإذا شاة بقرامها، أي: شاة ناضجة بلوازمها، قالت: ما هذا يا بريرة؟ قالت: رجل -والله ما قد رأيته أبداً- أهدى إلينا.
قالت: كلي، فهذا خير من قرصك.
ثم تقول بهذه القاعدة: لا يكمل إيمان العبد حتى يكون يقينه بما عند الله أقوى مما في قبضة يده.
وكما يقول بعض العلماء، إذا كان الأجل محدوداً والرزق مضموناً، فهم تخاف؟ ولماذا تتعب نفسك؟ ما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب وتتوكل على الله سبحانه وتعالى.
إذاً: الصدقة تكون بأي شيء ولو بكلمة طيبة.