النقطة الأخيرة: تتبع الشواذ من الأحاديث، بعض الناس يرى حديثاً في بطون الكتب لا يعمل به، فيأتي به ويثيره ويعرضه على الناس، فيقع في أذهان الناس اضطراب، نقل ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، أنه ضرب رجلاً لأنه كان يتتبع شواذ الكلمات، ويتتبع مواطن الغموض في كتاب الله، فضربه عمر لتساؤلاته المثيرة التي توقع الشبه عند الناس، ثلاث مرات وهو يضربه فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلة شريفة، وإن كنت تريد شفائي من دائي فقد -والله- شفيتني! فكتب بإخراجه إلى البصرة، وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد، حتى طال الزمن عليه، وحسنت سيرته، فسمح له بمخالطة الناس.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه -كما ينقل عنه ابن عبد البر -: (أحرج على كل مسلم -انظر إلى هذه العبارة، أحرج يعني: أجعل كل إنسان في حرج، وفي ضيق- أحرج على كل مسلم يحدث بحديث ليس العمل عليه) .
هذا أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه، يحرج على كل مسلم أن يحدث بحديث عن رسول الله، وهذا الحديث متروك العمل به، فإذا كان متروك العمل به، ويأتي إنسان يثيره عند الناس، فمعناه أنهم عطلوا حديث رسول الله، والسلف ما تركوه رغبة عنه، ولا استخفافاً به، ولكن ثبت عندهم ما هو أولى وأقوى منه.
فالحذر -أيها الإخوة- من تتبع الشواذ، ويقول ابن الحاج في مدخله في تتبعه للبدع، وكذلك الشاطبي: إني لأخشى على أولئك الذين يتتبعون شواذ المسائل أن يدخلوا في آية أوائل سورة آل عمران {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7] ، والوقف على لفظ الجلاله ثم: (والراسخون في العلم) ، وهذا له مبحث آخر، والمهم قولهما: نخشى على أولئك الذين يتتبعون شواذ الحديث أن يكونوا من الذين في قلوبهم زيغ.
ولهذا -أيها الإخوة- ينبغي للمسلم إذا سمع شيئاً أو رأى شيئاً أن ينظر ما عليه سلف الأمة، ولا ينبغي أن يخرج عما هم عليه،؛ لأنهم -بلا شك- أوسع إحاطة منا بسنة رسول الله، وأقوى جهداً وورعاً، وأمكن في علم الاستنباط والاستدلال، ومجموع النصوص بأطرافها هم أعلم بها منا، لكن العقل ينظر ما هو الأرجح ومما يرتضيه ديناً وعلماً.
وجزا الله سلف هذه الأمة عن خلفها أحسن الجزاء.
وبالله تعالى التوفيق، والله أسال أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.