في نهاية هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) ، وفي الحديث الآخر: (وتعين الرجل على متاعه صدقة) ، إنسان عنده متاع غير قادر أن يأخذه، فساعدته على حمله على ظهره، أو عنده دابته، وحمله موجود، فتحمل معه المتاع على الدابة فلك صدقة، تعين صناعاً في صنعته صدقة، أو نجاراً يريد ينشر خشبة وهو غير قادر أن يمسكها فمسكتها حتى نشرها، أو يريد أن يحزمها بحبل وساعدته في حزمها، (ومر صلى الله عليه وسلم برجل ذبح شاة، ويريد سلخها ولم يحسن، فحسر عن كمه صلى الله عليه وسلم وأدخل يده بين الجلد واللحم وأدارها وقال: هكذا تفعل) ، سبحان الله العظيم! لا يستنكف عن أن يساعد، وكونك ترشد الضال فتهديه حساً أو معنى سواء، شخص كفيف لا يعرف أين بيته، وسألك: أين بيت فلان؟ فتهديه إلى هذا البيت، فهي صدقة منك عليه وعلى نفسك، إنسان جاهل تعلمه صدقة، فأبواب الخير والصدقة كثيرة جداً، وقد جاء في الحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
ثم قال: (وفي بضع أحدكم صدقة) ، البضع هو عضو الإتيان بين الرجل والمرأة، فهنا استغرب الصحابة: في بضع أحدنا صدقة؟! صدقة على من؟ صدقة عليكما الاثنين، صدقة عليك أولاً؛ لأنها تعفك وتغض بصرك، وصدقة على الزوجة التي هي أمانة في يدك، فتؤدي حقها، فاستعجبوا: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال: أرأيتم -انظروا الأسلوب النبوي للتعليم بالمحسوس، واستنتاج الحكم من السائل- لو وضعتها في حرام أكان عليك وزر؟ قالوا: نعم، قال: أتحتسبون بالوزر ولا تحتسبون بالأجر؟!) ، تعدون الشرع على أنفسكم وتتركون الخير ولا تحتسبونه؟! وقول السائل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟) ، ويقيس صلى الله عليه وسلم في الجواب بقياس العكس.
هنا، وإن حسن النية يقلب العادة فيصيرها عبادة، لو أكلت لقمه وأنت جائع، ولكنك تنوي بأكلها التقوي على طاعة الله، فتشبع وتتمتع بالأكل ولك أجر، لو نمت القيلولة ونويت بذلك الاستعانة على أداء واجبك في النهار أو قيام الليل كان لك في ذلك أجر، إذا لبست ثيابك ونويت شكر النعمة وستر العورة وأداء الواجب كان لك بذلك أجر، لكن لو كنت تلبس لتتفاخر وتتطاول على الناس، أو تنام لتتقوى على سهرة في لعبة أو كذا، كان ذلك بالعكس، كما قال ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا كلمة، قال صلى الله عليه وسلم: من مات يشرك بالله دخل النار، وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله دخل الجنة) ، يعني: قياس العكس، وهذا من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، وهذا يدلنا أن النية الصالحة تقلب العادة عبادة.
ولعلنا بهذا نكون قد أوفينا هذا الحديث بما تيسر.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.