والجن موجودون، ومن ينكر ذلك ينظر في الدليل، ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجن وبايعهم وصرفهم الله إليه {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] ، {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:1-3] يا سبحان الله! كما قال صلى الله عليه وسلم ليلة التقى بهم: (للجن أحسن جواباً منكم، وكلما قلت: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] قالوا: ولا بشيء من آلاء ربنا نكذب) ، فكأنه يقول لهم: أنتم ما أجبتم، فكأن الجن كانوا أفقه وأحسن جواباً منكم.
ولما جاء مال البحرين وجاء الجني في صورة إنسان يسرق قبض عليه أبو هريرة، ولما اعترض الجني لرسول الله وهو يصلي بالليل، همّ أن يمسكه، ثم تذكر قول نبي الله سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] ، يقول صلى الله عليه وسلم: (لولا دعوة أخي سليمان لأمسكت به إلى الصباح حتى ترونه ويلعب به صبيانكم) >فإنكار الجن إنكار للواقع ومكابرة له، ولا أريد أن أخرج بكم عن الموضوع، ولكن كان شخص يسكن معنا هنا في المدينة اسمه محمود جاوي كان إذا قرأ القرآن تحتاج أن تصغي إليه لتسمع منه، وكان لا يرفع صوته، ولكن لو قرأ شهراً كاملاً لم تنصرف عنه، فقد كانت قراءته هبة من الله سبحانه، فجاءني يوماً مذعوراً، فقلت: ماذا دهاك يا محمود؟ قال: لا أستطيع أن أخبرك، قلت: لماذا تأتيني إذاً؟ قال: وقع أمس أمر عجيب، وقبل أمس، وقبل أمس، منذ أسبوع إلى الآن وأنا نائم، فإذا بي أسمع باب الغرفة يفتح، فنهضت إلى الباب قال: يا محمود خليك، قال: نهضت إلى السراج طبعاً ولم يكن هناك كهرباء، أخذت الكبريت لكي أشعل الفانوس، فقال: لا تشعل النور.
قلت له: من أنت؟ قال: واحد من جيرانك هنا.
قلت: ماذا تريد؟ قال: قم واقرأ القرآن.
قال: قمت من الخوف وقرأت وأنا أرتجف، قال: أنت خائف، لا عليك يكفي قراءة هذه الليلة فنم، ومن الغد آتيك في الموعد.
ولما جاء كنت أقل خوفاً، فقرأت حوالي نصف ساعة، وفي الليلة الثالثة جاء على الموعد فقرأت نحواً من ساعة، وفي الليلة الرابعة كأني استأنست به، ثم جاء فقلت: إني متعب أريد النوم، فقال: قم واقرأ، ثلاث مرات، ثم قال لي: أما تستحي! إنما آتيك وأطلب منك قراءة القرآن، ولم أطلب منك عشاء وكسوة ومالاً، وإنما أطلب منك أن تقرأ القرآن، ثم تقول: أريد أن أنام، غداً ستنام في القبر طويلاً.
يقول: فانتقلت.
وذكر لي المحل الذي انتقل منه، وكان يسمى (سقيفة الرصاص سابقاً) .
قال: فمن الغد جاءني وأيقظني قال: عجباً يا محمود! نحن كلانا مهاجر في المدينة، أتريد أن تخرج منها؟ أم تريد أن أتركك؟ قلت: اتركني.
وأنا لا أقول هذا استشهاداً على وجود الجن، ولكن تأكيداً للذين يستبعدون أن يكون هناك جن، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا: (بأنهم يهاجرون إلى المدينة كما تهاجرون أنتم) ، ونهى عن قتل الحية البيضاء قبل أن تآذنها لما وقع في غزوة الخندق، حيث كانوا يحفرون الخندق، وكان رجل حديث عهد بعرس فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى بيته، فقال: (خذ سلاحك معك إني أخاف عليك يهود ولا تحدث شيئاً) ، فجاء الرجل وعندما أقبل على باب البيت فإذا عروسه الجديد واقفة على الباب، فأخذ سيفه غيرة من أن تقف على الباب هكذا، فقالت: لا تعجل، ادخل بيتك وانظر فراشك، فدخل البيت فإذا بحية على طول الفراش، فأهوى عليها بالسيف فضربها، تقول الزوجة: والله لا أدري أيهما كان أسبق موتاً، فذكر الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنه من مهاجر الجن إلى المدينة انتقم له إخوانه، إنهم يهاجرون إليها كما تهاجرون أنتم، فإذا رأيتم شيئاً من هذه الحيات في بيوتكم فلا تقتلوها حتى تآذنوها ثلاثاً) .