بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصبحه أجمعين.
أما بعد: فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نسه) .
هذا آخر الحديث، يبين لكم أن المسألة راجعة لكم أنتم.
فهنا قال أخرى: (يا عبادي!) يناديهم شفقة بهم ورحمة، لا لمصلحة يُحصلها منهم، وأي مصلحة عندهم؟! فالعبد صنعه وخلقه، طعامه من عنده، وكسوته من عنده، وهدايته ورزقه من عنده، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58] خزائنه ملأى على ما سيأتي إن شاء الله.
ينبه القاضي عياض وغيره من علماء التربية والتوجيه هنا إلى شيء مهم، وهو من نفائس الكلمات، لماذا قال: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم) ، قالوا: لأن وحدة القلب في التقى أشمل وأجمع وأعم.
وبعض العلماء يقول: من هو هذا الرجل الذي يكونون على أتقى ما يكون على قلبه وحده؟ بعضهم يقول: النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي المقابل: (على أفجر قلب رجل) قالوا: هو الشيطان، وأنه فرد من الجن؛ لأنه قال: (وإنسكم وجنكم) ومن باب المجانسة فرد من الجن يعتبر كرجل، والله تعالى أعلم بذلك.
إذاً: الطاعة لا تزيد في ملكه سبحانه، والمعصية لا تُنقص من ملكه.
ثم قال سبحانه وتعالى: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني) كلٌ بأمانيه: (فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المحيط إذا أُدخل البحر) ، هذه الصورة يقول فيها القاضي عياض: لماذا هذه الصورة التي تجمع الخلائق كلها؟ لماذا لم يُعط كل واحد مسألته على حده وانفراده؛ بل قال: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) ؟ الصعيد: الأرض المنبسطة، أي: لو أن الخلائق كلها من الإنس والجن فعلوا ذلك ما ضرني فعلهم.