من المنطق السليم أنه ما دام الله هو ربك وخالقك ورازقك ومحييك ومميتك وهاديك، فلا ينبغي أن تصرف شيئاً من العبادات لغيره لأنه أحق بها، ولكن قد يقصر العبد في شكر النعمة ولذلك جاء في الحديث:: (إنكم تخطئون بالليل والنهار) ، أي: فلا أحد معصوم، ثم يقول: (وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم) ، هل هناك تودد أكثر من هذا؟! وهل هناك تقرب أكثر من هذا يتقرب به المولى لعبيده؟ والخالق لخلقه؟ وخطأ البشر بالليل والنهار أمر طبيعي؛ لأن الإنسان من طبيعته الخطأ وليس من طبيعته العصمة، فالملائكة وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أما الإنسان فقد ركبت فيه عوامل طاعة والمعصية {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] ، فالطريقان ميسران لك.
فإذا كان الأمر كذلك والخطأ واقع، فقد فتح لك ربك باب الاستغفار وقبله منك ودعاك إليه، وقد جاء في الحديث: (لولا أنكم تذنبون وتستغفرون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم) ، وجاء في الحديث: (إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) ويبسط الله يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ فأي رحمة أعظم من هذا أيها الإخوة؟! وأي رحمة أوسع من رحمة الله لخلقه؟! في وقت المعصية، وفي حالة العصيان يدعوهم للتوبة وللاستغفار، اللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
بعد تعداد النعم عليهم من الهداية والإطعام والكساء، ينبههم سبحانه على أنهم سيقصرون، وسيقع منهم الخطأ وا لذنب، فيندبهم للاستغفار واللجوء إليه فيقول لهم: (فاستغفروني) .
استغفر كاستفعل، أي: طلب المغفرة، وسيد الاستغفار كما جاء عن الصديق رضي الله تعالى عنه: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ... ) إلى آخر الدعاء، فيستغفر الإنسان ربه.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) ، فالرسول كان يستغفر ربه، لكن لا عن ذنب، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وعصم من المعصية، ولكن رفعاً للدرجات وتعليماً للخلق، فإذا كان مع غفران الذنوب يتوب ويستغفر في اليوم مائة مرة، فمن يكون منغمساً في الذنوب فمن باب أولى أن يستغفر ويتوب في اليوم مئات المرات.