قال صلى الله عليه وسلم: (يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته) .
وسبق أن أشرنا إلى أن الإنسان يأتي إلى الدنيا عرياناً، والمولى سبحانه هو الذي يهيئ له الكساء قبل أن يأتي، عاطفة الأمومة تجعل الأم في أواخر الحمل تذهب وتأتي بالأقمشة، وتخيط الثياب، وتجعلها صالحة للبنت وللولد، وللمولود الذي سيأتي، والمولى سبحانه هو الذي عطف قلب الأم على أن تهيئ لك هذا اللباس، ثم بعد ذلك كبرت ونشأت تطلب الكساء، ووالله لن تجد من الكساء إلا ما أعطاك الله إياه وكساك، ولا حاجة أن نميل إلى الكساء المعنوي في قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] ؛ لأن هذا داخل في باب الهداية.
وأشرنا سابقاً بأن العلماء يقولون: ثلاثة نعم لا كسب للعبد فيها: النعمة الأولى: إيجادك من العدم.
هل أنت عملت شيئاً حتى جئت إلى الدنيا؟ لا والله، حتى الأبوان ما عملا شيئاً، وإنما قضيا وطراً لهما، وما وراء ذلك فليس في استطاعتهما؛ لأن المولى يتمدح ويقول: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى:49-50] فالولد هبة من الله، فجئت بفضل من الله.
النعمة الثانية: نعمة الإسلام؛ قالوا: حينما يأتي الولد من أبوين، هل كان له اختيار في نفسه أن يأتي من أب اسمه علي أو حسن أو أحمد، وأم اسمها فاطمة أو عائشة أو زينب أو سعاد؟ هل اخترت الأبوين اللذين تأتي منهما؟ ليس له اختيار، لكن الله منحه أبوة أبوين مسلمين فنشأ على الإسلام، وولد على الفطرة وبقي عليها.
النعمة الثالثة: دخول الجنة؛ فإذا أنعم الله على العبد بالهداية، كما جاء في أول نداء بعد تحريم الظلم، ثم رزقك وكساك، وأعطاك مقومات الحياة الدنيا وقال لك: إنها من الله، تلك النعم العظمى ماذا تستوجب عليك؟ تستوجب شكر المُنعم وأوائل شكر المنعم، طاعته وعبادته وإفراده بالعبودية أو بالألوهية، فلا تصرف شيئاً من العبادة لغيره؛ لأنه الذي أوجدك من العدم، والذي أطعمك وأنت جائع، وكساك وأنت عار، وهداك وأنت ضال، ليس لمخلوق حق في هذه الأمور الثلاثة.